اختلاف الأمزجة :
قد يسأل سائل : هل في داخل الإنسان قوة تحركه ، وتتدخل في شئونه ، أو ان المحرك الأول له هي الأحداث الخارجية وأشياؤها ، وان كان من باعث داخلي فان هذا الباعث ينبع ويتولد من الخارج ، بحيث يكون الداخل فرعا ، والخارج أصلا ، أو ان كلا منهما أصل في نفسه ، ومستقل عن غيره ، وان الإنسان يتحرك تارة بدافع من هذا ، وأخرى بدافع من ذاك ، وحينا بدافع منهما معا .. وعلى افتراض ان في داخل الإنسان قوة تحركه وتبعثه مستقلة عن غيرها ، فهل يشترك جميع أفراد الإنسان في هذه القوى الروحية ، بحيث لا يتباين فيها فرد عن فرد ، أو ان لكل فرد مزاجا خاصا ، وقوى لا يشاركه فيها أحد سواه؟.
والجواب عن السؤال الأول ان الإنسان انما يكون إنسانا بغرائزه وقواه الروحية ، ولو جردناه منها ، أو سلبنا عنها العمل والتأثير لكان الإنسان مجرد هيكل من ورق ، أو ريشة في مهب الريح .. أجل ، ان القوى الداخلية تتفاعل مع التيارات والأحداث الخارجية ، فتؤثر فيها ، وتتأثر بها ، ولكن التفاعل شيء ، والاستقلال في التأثير شيء آخر ـ مثلا ـ ان غريزة التطلع والتشوف تخلق مع الإنسان ، ومن هنا كان الطفل سئولا بفطرته ، بل ان هذه الغريزة من خصائص الإنسان .. ثم تنضج وتنمو هذه الغريزة برؤية الأحداث الخارجية ، وبالبحث والاكتشاف ، وبنموها ونضوجها يستطيع الإنسان أن يؤثر في الأشياء الخارجية ، ويطورها حسب حاجاته وأغراضه ، مع العلم بأنها مستقلة في وجودها عن الوعي والإدراك .. فحركات الإنسان ـ اذن ـ تنبع من الداخل والخارج ، أي من نفسه ، ومن الأحداث.
وهناك قسم ثالث اكتشفته من تجاربي الخاصة ، واطلق عليه اسم «التوفيق الى الخير والفلاح» .. وهذا القسم لا ينبع من النفس ولا من الأحداث ، بل من قوة خفية ، وطاقة خيرة لا حد لها تكمن في عالم المجهول ، ولكنها تمهد سبيل الخير الى بعض الأفراد ، وتتدخل مباشرة في توجيههم الى ما يرضي الله سبحانه ، من حيث لا يشعرون ..