بالوحي إطلاقا ، حتى بما أنزل عليكم بالخصوص ، والدليل ان الله أرسل منكم ولكم وفيكم أنبياء ، وفرض عليكم تصديقهم وطاعتهم ، ومع ذلك فريقا كذبتم كعيسى ، وفريقا تقتلون كزكريا ، ويحيى ، وان دل هذا على شيء فإنما يدل على كذبكم ، ومناقضة أفعالكم لأقوالكم ، وتكذيب أنفسكم لأنفسكم .. وصح توجيه الخطاب بالقتل الى يهود المدينة ، ومشافهتهم به ، مع ان القاتل أسلافهم لمكان وحدة الأمة ، ومشاركة الراضي بالقتل لفاعله ، كما تقدم.
لليهود أشباه ونظائر :
أنكر اليهود محمدا (ص) لأنه غير اسرائيلي ، وأيضا أنكره أبو سفيان ، وقاد الجيوش لحربه ، لأنه يأبى أن تفوز هاشم بشرف النبوة دون أمية ، وأنكرت قريش خلافة علي أمير المؤمنين (ع) لأنها كرهت ان تجتمع النبوة والخلافة في بيت هاشم ، ويثقل على بعض الأعاجم ان المرجع الديني الأول من العرب ، كما يثقل على بعض العرب أن يكون من الأعاجم .. بل اني أعرف أفرادا لو خيّروا بين أن تهتدي الألوف الى دين الحق عن طريق غيرهم ، وبين أن تبقى على ضلالها لاختاروا الضلالة على الهدى ، والكفر على الايمان .. وأيضا لو خيّروا بين أن يسمعوا الثناء على يزيد بن معاوية ، وبين أن يسمعوا الثناء عن واحد من صنفهم لفضّلوا ألف مرة الأول على الثاني .. ومن أجل هذا يبحث الواحد منهم جاهدا ليجد عيبا لأخيه ، فان وجد خردلة أذاعها جبلا ، وان لم يجد اخترع وافترى.
ان من يكبر الفضيلة كمبدأ يكبرها أينما كانت وتكون ، وعن أي طريق تحققت ، ويراها في غيره ، تماما كما يراها في نفسه ، بل يعمل ويكافح من أجل بثها وانتشارها ، أما من يدعيها لنفسه ، وينكرها في غيره فانه يستعمل نفس الأسلوب الذي استعمله اليهود عنادا لله وأنبيائه ورسله.
ولقد جاءكم موسى بالبينات الآة ٩٢ ـ ٩٦ :
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ