الإعراب :
(ما) اسم شرط بمعنى إن تجزم فعلين ، ومحلها النصب بننسخ ، وننسخ مجزومة فعل الشرط ، وننسها مجزومة أيضا لمكان العطف على ننسخ ، ومن آية بيان وتفسير لما المبهمة ، ونأت فعل مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للشرط.
النسخ :
نشير أولا الى معنى النسخ في الأحكام الشرعية بوجه عام ، ثم الى النسخ في القرآن بوجه خاص .. ومعنى النسخ في الأحكام الشرعية ان يرد دليل يدل بظاهره على ثبوت حكم شرعي ثبوتا دائما ومستمرا (١) في كل وقت ، وبعد العمل بهذا الحكم بعض الحين يأتي دليل آخر يثبت ان ذاك الحكم الذي كنا نقطع بدوامه واستمراره هو في واقعه حكم خاص بأمد معين ، وان مصلحة اقتضت العمل به في آن محدود ، لا في كل آن ، ولكن الحكمة الإلهية استدعت إظهاره بمظهر الدوام والاستمرار ، تماما كما لو رأى الطبيب ان من مصلحة المريض الامتناع عن أكل اللحم أسبوعا واحدا فقط .. وأيضا رأى من مصلحته أن لا يعلمه بتحديد الوقت ، فنهاه عن اللحم على هذا الأساس من غير قيد ، وبعد مضي الأسبوع اذن له بأكل اللحم ، وعلى هذا ينحصر معنى النسخ في محو ما ظهر من ارادة الدوام ، لا محو الارادة الواقعية الذي يستلزم البداء والجهل.
وليس من شك ان النسخ بهذا المعنى ثابت في الشريعة الاسلامية ، فإنها قد نسخت بعض أحكام الشرائع السابقة ، كالشريعة الموسوية والعيسوية ، بل ان أحكام القرآن قد نسخ بعضها بعضا كتحويل الاتجاه بالصلاة الى الكعبة بعد الاتجاه الى بيت المقدس.
أما النسخ في القرآن فيمكن تقسيمه الى أوجه ثلاثة :
__________________
(١) إذا كان الأمر الأول مطلقا غير مقيد بالدوام ، ثم ورد أمر آخر على عكسه فلا يكون الثاني ناسخا للأول ، لأن الأمر لا يقتضي الفعل أكثر من مرة ، لأن اطلاق الأمر يدل على مجرد وجود الطبيعة ، وكفى بغض النظر عن الكثرة والقلة ، والطبيعة تتحقق بالمرة.