(قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ). قدمنا ان كلا من اليهود والنصارى قالوا : نحن أولى بالنبوة .. فأمر الله نبيه الكريم أن يرد عليهم بقوله : أأنتم أعلم حيث يجعل رسالته ، أم هو؟ .. ان الرسول لله ومن الله ، ومع هذا تريدون أنتم أن تختاروه؟ وهل أنتم أوصياء عليه؟ تعالى الله علوا كبيرا .. وهل أجهل وأسخف ممن يقول لك : أنا أعلم منك بما يعجبك ويرضيك ، وبما يغضبك ويؤذيك؟ وهل أكثر حمقا من جاهل لا يعرف شيئا يقول لمن اخترع سفينة الفضاء ـ مثلا ـ أنا أعرف بها منك؟ .. ولست أعرف قولا أبلغ في التجهيل والتقريع من قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) .. نستغفره ونعوذ به مما يقول ويفعل المبطلون.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ). من الله متعلق بشهادة ، أو بمحذوف صفة للشهادة ، تقديره شهادة كائنة من الله .. ومعنى الكلام ان عندكم يا معشر اليهود والنصارى شهادة من الله قرأتموها في التوراة والإنجيل ، وهي ان الله سبحانه سيبعث نبيا عربيا من أبناء إسماعيل (ع) ، ومع ذلك كتمتم الشهادة ، وتجرأتم على الله بتحريف كتابه تعصبا للباطل ، وعنادا للحق ، فاستوجبتم اللعنة والعذاب.
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ). هذه الآية تقدم ذكرها بالحرف الواحد برقم ١٣٤ .. وردت هناك لبيان ان اخلاص ابراهيم (ص) وعظمته لا تجدي اليهود والنصارى شيئا ، وجاءت هذه الآية هنا لبيان ان أعمال اليهود والنصارى تباين عقيدة ابراهيم وعمله .. اذن دعواهم بأنهم على ملة ابراهيم كذب وافتراء ، وتكلمنا عند تفسير الآية ٤٨ عن التكرار في القرآن.
الشهادة :
يجب على كل بالغ عاقل أن يستجيب ويلبي إذا دعي الى تحمل الشهادة ، ولا يسوغ له رفضها من غير عذر ، قال تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) ـ البقرة ٢٨٢». وقال الإمام جعفر الصادق (ع) : إذا دعاك الرجل لتشهد على دين أو حق فلا يسعك أن تتقاعس عنه.
ووجوب تحملها يستدعي وجوب أدائها ، وتحريم كتمانها ، قال تعالى : (وَلا