وقال آخرون : ان قوله سبحانه هذا يدل على ان كل مسلم عادل بطبيعته .. وهذا القول باطل من الأساس ، لأن العدالة من الموضوعات التي لا تثبت إلا بالحس أو البينة.
التكامل والتعادل في الإسلام :
لما كان الإنسان مكوّنا من جسم ترابي فان ، ومن سر إلهي خالد ، وهو الروح ، (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي). ولما كان لكل منهما مطالب وحاجات ، لذلك جاءت تشريعات الإسلام وتوجيهاته على أساس الأمرين وتنظيمهما معا دون أن يطغى أحدهما على الآخر. وبكلمة : للإنسان جزءان ، فإهمال أحدهما إهمال له بالذات.
لقد حرم الإسلام الرهبانية ، وإرهاق النفس بالقضاء على الطبيعة ، كما حرم الخبائث والإسراف في الشهوات ، والترف على حساب الغير .. وأحل زينة الحياة ومتعها من الأكل الطيب ، واللبس الطيب ، وما اليهما .. ومن يستعرض آيات القرآن يجد ان الدنيا كلها خلقت من أجل حياة راضية مرضية عند الجميع ، وان الانكماش عنها انكماش عن الدين ، كما ان التكالب على احتكارها وحرمان الغير فساد في الأرض ، وخطر على المجتمع كله .. وأفضل الأرزاق كلها عند الإسلام ما كان بكدّ اليمين ، وعرق الجبين.
قال انس : كنا مع رسول الله (ص) في سفر ، ومنا الصائم ، ومنا المفطر ، فنزلنا منزلا في يوم حار ، فسقط الصائمون ، وقام المفطرون بخدمتهم. فقال رسول الله (ص) : ذهب المفطرون اليوم بالأجر كله.
هذا هو الوسط والعدل الذي يرتكز عليه الإسلام ، ويدعو اليه ، لا عبادة تقعد بك عن السعي والعمل ، ولا شراسة في التكالب تصرفك عن الله وعبادته.
(لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً). ان معاني الكلمات المفردة واضحة ، وكذا المعنى العام للمركب منها .. ولكن الاشكال والغموض في تعيين ما نشهد به نحن المسلمين على غيرنا .. أي شيء هو؟. ان الرسول يشهد غدا على من خالف منا بأنه لم يعمل بالإسلام وأحكامه ، فهل نشهد نحن