وصف الإمام علي هؤلاء أبلغ وصف بقوله : «همج رعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا الى ركن وثيق».
وأخبر الله نبيه العظيم بأن الذين شككوا وارتابوا ليسوا بمؤمنين في واقعهم ، بل كان ايمانهم زائفا لا أصيلا ، ولقد محصناهم بالبلاء ، ليظهروا على حقيقتهم لك ولغيرك. (وان كانت ـ القبلة الجديدة ـ لكبيرة الا على الذين هدى الله). وهم أهل الإيمان المستقر الأصيل ، لا أهل الايمان المستعار المموه.
وتسأل : ان الله سبحانه يعلم الشيء قبل وقوعه ، فما هو الوجه في قوله لنعلم من يتبع الرسول؟.
الجواب : ان المراد ليظهر الطائع والعاصي ، ويتميز لدى الناس كل بما هو فيه وعليه .. وقال أكثر المفسرين ان علم الله بالنسبة الى الحادث على قسمين : علم به قبل إيجاده ، وهو في عالم الغيب ، وعلم به بعد إيجاده ، وهو في عالم الشهادة ، والمراد بالعلم هنا الثاني دون الأول ، أي ان الله يريد أن يعلم به حال وجوده ، كما علم به حال عدمه .. وهذا تحذلق ولعب بالألفاظ .. فان علم الله واحد ، وعالم الغيب بالنسبة اليه ، تماما كعالم الشهادة.
(وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ). هذه بشارة من الله لمن ثبت على إيمانه مع الرسول الأعظم (ص) في السراء والضراء ، ولم يرتب في أمر من أوامره ، ولا نهي من نواهيه .. وقال أكثر المفسرين ، أو الكثير منهم : ان السبب لنزول هذه الآية ان جماعة من الأصحاب صلوا مع النبي (ص) الى القبلة الأولى ، ثم ماتوا قبل التحول الى الثانية ، فسئل الرسول عن صحة صلاتهم؟ فقال الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ).
ونحن لا نعتمد روايات أسباب النزول إلا القليل البالغ حد اليقين أو الاطمئنان ، لأن العلماء لم يهتموا بغربلتها وتمحيصها ، كما فعلوا بأحاديث الأحكام ، فبقيت على سقمها وعللها.