المعنى :
قال صاحب مجمع البيان : «روي عن الإمام جعفر الصادق (ع) انه قال : تحولت القبلة الى الكعبة بعد ما صلى النبي (ص) بمكة ثلاث عشرة سنة الى بيت المقدس ، وبعد مهاجرته الى المدينة صلى الى بيت المقدس سبعة أشهر ، ثم وجهه الله الى الكعبة ، وذلك ان اليهود كانوا يعيرون رسول الله (ص) ، ويقولون له : أنت تابع لنا ، تصلي الى قبلتنا ، فاغتم رسول الله (ص) من ذلك غما شديدا ، وخرج في جوف الليل ينظر الى آفاق السماء ، ينتظر من الله تعالى أمرا في ذلك ، فلما أصبح وحضر وقت الظهر كان في مسجد بني سالم ، وصلى فيه من الظهر ركعتين ، فنزل عليه جبريل (ع) فأخذ بعضديه ، وحوله الى الكعبة ، وأنزل عليه : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فصلى ركعتين الى بيت المقدس ، وركعتين الى الكعبة».
(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ). وصف المسجد بالحرام ، حيث يجب تقديسه ، ويحرم هتكه ، والكعبة جزء من المسجد الحرام ، وهو جزء من الحرم الذي يشمل مكة وضواحيها المحددة في كتب الفقه ، باب الحج ، مسألة محرمات الإحرام ، والصيد في الحرم.
والمعروف من طريقة القرآن الكريم ان كل تكليف شرعي موجه بظاهره لرسول الله (ص) يدخل فيه عموم المكلفين ، مثل : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) ـ هود ١١٤». ولا يختص التكليف به وحده إلا مع القرينة ، كقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) ـ الاسراء ٧٩». فان لفظة لك تدل على ان هذا التكليف لا يشمل سواه .. وأيضا من طريقة القرآن ان التكليف الموجه الى المكلفين يدخل فيه محمد (ص) دون أدنى فرق من هذه الجهة بينه وبين غيره ، وعليه فان الأمة داخلة في قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).
(وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ). أي أينما كنتم في بحر أو بر أو سهل أو جبل في الشرق أو في الغرب فعليكم أن تستقبلوا المسجد الحرام بمقدم البدن ، ولا يجوز أن تستدبروه في الصلاة ، أو تضعوه على اليمين أو الشمال ..