(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ). للعلماء كلام كثير وطويل في معنى الحكمة .. والذي نفهمه نحن ان كل ما وضع في مكانه اللائق به من قول أو فعل فهو من الحكمة .. وعلى أية حال ، فان المعنى العام لهذه الآية ان الله سبحانه قد أنعم بالقبلة على العرب ، كما أنعم عليهم من قبل بمحمد (ص) ، فهو منهم وفيهم ، وقد أنشأهم خلقا جديدا ، فطهرهم من أرجاس الشرك ، ومساوئ الأخلاق ، وأصبحوا بفضله أصحاب دين سماوي ، وشريعة إلهية ، أساسها العدل والمساواة ، كما أصبحت لهم دولة بسطت جناحيها على نصف المعمورة ، حتى لغتهم عظمت وارتفع شأنها بالقرآن وبلاغته.
وليس من شك انه لو لا محمد وآل محمد لم يكن للعرب تاريخ ، ولا تراث ، ولا شيء سوى الوثنية وقذارتها ، والجاهلية وحميتها ، ووأد البنات تخلصا من نفقتها ، بل ان محمدا العربي (ص) هو النعمة الكبرى على البشرية كلها ، فلقد تقدمت بفضله تقدما هائلا وسريعا في ميدان العلم والحضارة ، واعترف بهذه الحقيقة ، وسجلها المنصفون من علماء الغرب ، ونقلنا طرفا منها في كتاب «الإسلام والعقل».
ومن أجل النعم الجلى التي أنعم الله بها على العرب دعاهم الى ذكره وشكره ، وحذرهم من كفران النعم والإحسان بقوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ). أي اذكروني بالطاعة أذكركم بالأجر والثواب ، واشكروني على نعمة الإسلام ، وبعثة محمد (ص) الذي هو منكم وفيكم ، ولا تكفروا بمخالفة الله ورسوله .. وفي الآية ٧ من سورة ابراهيم : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ). وقال أمير المؤمنين (ع) : ما كان الله ليفتح باب الشكر ، ويغلق عنكم باب الاجابة. وقال : أفيضوا في ذكر الله فانه أحسن الذكر ، وارغبوا فيما وعد المتقين فان وعده أصدق الوعد.
شكر المنعم :
من بديهيات العقل الأولية ان الشكر لله واجب على كل بالغ عاقل ، حتى