والمراد من المعروف بالآية أن يكون الشيء الموصى به مناسبا بحال الموصي والموصى له ، فلا يستنكر ويستهجن لقلته ، ولا يبلغ حدا من الكثرة يضر بالوارث ، كما لو تجاوز عن ثلث التركة ، فلقد جاء في الحديث : «ان الله أعطاكم ثلث أموالكم عند وفاتكم».
(فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ). أي بدّل الإيصاء وحرفه ، وهو عالم به.
(فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ). أي ان اثم التبديل والتحريف يقع على من بدّل وحرّف ، وارثا كان أو وليا أو حاكما أو وصيا أو شاهدا .. وفي هذا دليل على ان من اقترف ذنبا فان وباله عليه وحده لا على غيره ، فإذا أوصى الميت بما عليه من حق لله أو للناس ، وأوصى في تنفيذه الى من اعتقد صدقه وأمانته ، ثم قصر الوصي أو خان فلا اثم على الميت وانما الآثم المسئول هو الوصي وحده. قال الرازي : ان العلماء استدلوا بهذه الآية على ان الطفل لا يعذب بكفر أبيه .. وهذا من بديهيات العقل التي أقرها القرآن بشتى الأساليب ، منها : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
(فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ). الجنف الخطأ ، والإثم تعمد الظلم. وهذه الآية استثناء من الحكم السابق ، أي ان المبدل للوصية آثم الا إذا زل الوصي في وصيته ، فعندها يجوز للوصي أو للولي أو الحاكم أن يبدل الوصية من الباطل الى الحق ، فالمحرّم هو تبديل الحق الى الباطل ، لا تبديل الباطل الى الحق.
هذا ما ذكره المفسرون في معنى الآية ، وهو صحيح في نفسه .. ولكن الذي نفهمه من سياق الآية ، وقربه صاحب مجمع البيان : ان الإنسان إذا ظهرت له دلائل الموت ، وأراد أن يوصي بأشياء فيها حيف ، مثل أن يعطي بعضا ويحرم بعضا .. وحضر هذه الوصية من حضر من العقلاء والمؤمنين فلا إثم على الحاضر أن يشير على الموصي بالحق ، وأن يرده الى الصواب ، ويصلح بينه وبين الورثة ، كي يكون الجميع على رضا ووفاق ، ولا يحدث بينهم التشاجر والتطاحن بعد موت الموصي.