إسرائيل قد جاءتهم الرسل بالمعجزات والبينات ، واليد البيضاء ، وقلب العصا حية ، وفلق البحر وتظليل الغمام وانزال المنّ والسلوى ونتق الجبل ، ومع ذلك عصوا وخالفوا ، فعاقبهم الله بالمذلة والهوان في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة.
والمسلمون قد جاءهم محمد (ص) بالمعجزات والبينات الدالة على صدقه في نبوته ، وصحة شريعته ، وبلغهم عن الله سبحانه أن يدخلوا في السلم كافة لأن فيه خيرهم وصلاحهم ، فان أعرضوا وعصوا كما أعرض وعصى بنو إسرائيل يصبهم ما أصاب الاسرائيليين من قبل.
(وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ). المراد بنعمة الله هنا الدلائل على الحق ، فإنها من أعظم النعم ، لأن فيها الهداية والرشاد ، والنجاة من الهلاك والضلالة ، والمراد بتبديلها تحريفها وعصيانها .. فقوله تعالى : (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) ، تماما كقوله : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ). وقوله : (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ، كقوله : فان الله عزيز حكيم ، فالمعنى واحد ، والغرض واحد.
لا ايمان الا بالتقوى :
(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا). لا فرق إطلاقا بين من يكفر بوجود الله ، وبين من يؤمن به نظريا ، ويؤثر دنياه على آخرته عمليا ، لا فرق أبدا بين الاثنين من حيث ان كلا منهما قد فتن بالدنيا وزخرفها ، وآثر العاجلة على الآجلة ، وقاس الخير والفضيلة بمقياس منفعته الشخصية ، ولم يقم وزنا لحرمات الله ، ولا للقيم الانسانية .. واني كلما تقدمت وتوغلت في تفسير القرآن ، وتعمقت في تدبّر آياته ازددت يقينا بأن الايمان بالله بلا تقوى ليس بشيء ، وان من جعل الدنيا كل همه ينصرف كلية عن شريعة الحق والدين من حيث يريد ، أو لا يريد ، والنتيجة الختمية لهاتين المقدمتين ان من كفر بالله ، وآمن به سواء ما دام هذا «المؤمن» يؤثر دنياه على دينه ، ولا يقيم له وزنا في شيء من أقواله وأفعاله. وقد تواتر عن الرسول الأعظم (ص) : «الدنيا والآخرة