واحدة ، بعد هذا أشار بذكر هذه الحروف (الم) ونحوها إلى ان هذا الكتاب المعجز مؤلف من جنس هذه الحروف التي هي في متناول الأطفال والجهال .. فعجزكم ـ اذن ـ دليل قاطع على ان هناك سرا ولا تفسير لهذا السر الا ان هذا القرآن من وحي السماء ، لا من صنع الأرض.
ذلِكَ الْكِتابُ الآية ٢ :
ذلك اسم اشارة ، ومحله الرفع بالابتداء ، والكاف للتعظيم ، لا للبعد ، كقولك : أنا ذلك الرجل .. والمراد بالكتاب القرآن. وبنفي الريب عنه انه كتاب حق وصدق .. وعجزهم عن صياغة مثله يستدعي ان لا يرتابوا فيه إطلاقا لو كانوا طلاب حقيقة.
القرآن والعلم الحديث :
قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) فيه دلالة واضحة على ان القرآن لا يلتمس فيه علم التاريخ ، ولا الفلسفة ، ولا العلوم الطبيعية والرياضية ، وما اليها ، وانما يلتمس فيه هداية الإنسان ، وإرشاده الى صلاحه وسعادته في الدارين .. وبكلمة ان القرآن كتاب دين وأخلاق وعقيدة وشريعة.
وتسأل : وما ذا أنت صانع بالآيات الكونية : «والشمس تجري لمستقر». والقمر قدرناه منازل .. وما إلى ذلك من عشرات الآيات؟.
الجواب : لم يكن الغرض من هذه الآيات ان يبين الله لنا ما في الطبيعة من حقائق علمية ، كلا ، فان ذلك موكول الى عقل الإنسان وتجاربه ، وانما الهدف الأول من ذكرها أن نسترشد بالكون ونظامه الى وجود الله سبحانه ، وانه لا شيء من هذه الكائنات وجد صدفة ، ومن غير قصد كما يزعم الماديون ، بل وجد بارادة عليمة حكيمة ، وقد بين الله ذلك صراحة في قوله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) ـ ٥٣ حم السجدة». أي سنكشف للكافرين بالله عن تدبير الكون وأحكامه ما يعلمون معه انهم على ضلال ..