الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) ـ الانعام ٥٩». وبهذا يتبين ان الايمان بالغيب جزء من الإسلام ، وان من لا يؤمن به فليس بمسلم .. وأيضا يتبين ان ما لا يمكن استكشافه بالمشاهدة والتجربة ، أو بالعقل ، ولم تنزل به آية من كتاب الله ، أو تأتي به رواية عن رسول الله فهو أسطورة وخرافة ، كأكثر ما يرويه الرواة من الاسرائيليات ، وما اليها.
الدين والعلم :
والغريب ان الطبيعيين يؤمنون بالغيب ، لأنهم يعتقدون اعتقادا جازما بأن الكون وجد صدفة .. وليس من شك ان الايمان بالصدفة ايمان بالغيب ، لأن الطبيعيين لم يشاهدوها بالعيان ، إذ المفروض انهم وجدوا بعد الكون ، وأيضا لم يدركوها بالعقل ، لأن العقل يبطل الصدفة ، أو لا تقع تحت اختباره اثباتا ولا نفيا ـ على الأقل ـ.
والاغرب انهم يسمحون لأنفسهم أن يفترضوا وجود مادة لطيفة يطلقون عليها اسم الأثير ، ومنها وجد الكون بزعمهم ، بل يؤمنون بذلك ايمانا لا يشوبه ريب ، ثم يحرمون على غيرهم أن يفترض ويؤمن بوجود قوة حكيمة مدبرة وراء هذا الكون .. مع العلم بأن هذا الافتراض أقرب الى العقل والقلب من افتراض وجود مادة عمياء صماء.
وعلى أية حال ، فان الغيب يدل اسمه عليه ، يدرك بالوحي فقط ، لا بالتجربة ولا بالعقل .. أجل شرطه الوحيد أن لا يتنافى مع العقل ، لا أن يستقل العقل بادراكه .. وعلى هذا فلا يبقى مجال لأية محاولة تهدف الى اخضاع الوحي ونصوصه للعلم التجريبي .. ان مهمة هذا العلم تنحصر في محاولة الإنسان لفهم الطبيعة ، والسيطرة عليها ، ويجيب عن هذه الأسئلة : ما هي القوى التي تتألف منها طبائع الأشياء من جماد ونبات وحيوان؟ وكيف نصمم طائرة تزيد سرعتها على سرعة الصوت؟ ولا يدرك العلم التجريبي من أوجد الطبيعة ونظامها.
أما الدين فانه يعرفنا بأسباب الوجود ويعطينا المفاتيح الرئيسية لمعرفة خالق الكون ويقودنا الى ما ينبغي عمله في هذه الحياة ، لنحقق أهدافنا الروحية والمادية. ان