وهذا الطلب ، كما ترى ، ليس فيه تعجيز ـ لو كان القرآن من عند غير الله ـ لأنه لم يطلب منهم أن يحملوا الجبال ، أو يجففوا البحار ـ مثلا ـ وانما طلب الحديث ، ولا شيء أيسر منه عليهم ، وحيث ثبت عجزهم فقد ثبت ان هناك سرّا ، ولا تفسير لهذا السر الا الوحي والنبوة ، وهكذا كل ما يستعصي تفسيره على العلم بما هو علم لا بد أن يفسر بما فوق الطبيعة.
ولا شيء أقوى في الدلالة على صدق القرآن من هذا الجزم والوثوق في قوله تعالى : (وَلَنْ تَفْعَلُوا) .. وحتى اليوم ما فعل واحد من بعدهم ، وما زال الباب مفتوحا الى آخر يوم.
وبعد ان ذكر الله الكافرين ، وما لهم من الجحيم والعذاب عقب بذكر المؤمنين ، وما لهم من النعيم والثواب جريا على عادة القرآن من شفع الترغيب بالترهيب ، واقتران الوعد بالوعيد مبالغة في الإرشاد والموعظة.
وقال أكثر المفسرين : ان الضمير في مثله يعود الى القرآن ، والمعنى فأتوا بسورة على صفة القرآن وخصائصه في الأسلوب.
وقال آخرون : بل هو عائد الى عبدنا ، وهو محمد (ص) ، والمعنى فأتوا بأميّ لم يقرأ كمحمد يستطيع أن يأتي بمثل هذا القرآن الذي أتى به هذا الرجل الأمي.
والمعنى مستقيم وصحيح على كلا القولين ، ولكن القول الأول أشهر وأظهر ، حيث قال عز من قائل : (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا) ولم يقل : ان ارتبتم في محمد (ص) .. ومع ذلك فان للقول الثاني وجها قويا ، لأنه لو افترض ان عالما قديرا أتى بمثل أسلوب القرآن لا يكون ذلك نقضا للتحدي ، لأن وجه التحدي محصور بالإتيان من أميّ ، لا من عالم قدير.
والمراد بالوقود كل ما توقد النار به ، والمراد بالناس العصاة ، وبالحجارة الأصنام التي كان يعبدها المشركون.
سر الاعجاز في القرآن :
النبوة سفارة بين الله ، وبين خلقه يخص بها من يشاء من عباده ، ليبلغهم