بمقارنتها بشيء محسوس ، فكل ما يحقق هذه الغاية يصح جعله مثلا ، صغيرا كان أو كبيرا ، وبه تتم الحجة على كل من خالف وعاند.
وقد امتحن الله الناس بهذه الأمثال كما امتحنهم وابتلاهم بغيرها من الدلائل والآيات ، فعمل بها كثير ، وأعرض عنها كثير ، والذين عملوا بها هم الطيبون المؤمنون ، والذين أعرضوا هم الفاسقون الضالون ، وصحت اضافة الهداية والضلال اليه سبحانه بالنظر الى أنه هو الذي ضرب الأمثال التي كانت رحمة على من اتعظ بها ، ونقمة على من لم يتعظ.
ومن المفيد ان نقدم مثالا لتوضيح هذه الفكرة : عالم ارتفع به علمه إلى أعلى المناصب ، فحسده من حسده ، حتى بلغ الحسد منه مبلغا أودى بجسمه وعقله ـ ملحوظة قال أمير المؤمنين : صحة الجسد من قلة الحسد ـ فيصح أن نقول تجوزا : العالم هو الذي أدّى بالحاسد الى هذه النتيجة السيئة ، تماما كما تقول : أفسدت فلانة الحسناء فلانا ، وأذهبت عقله ، وربما لم تكن تعرف عنه شيئا ولكن لما فسد عقله من أجلها أضيف الفساد اليها ، وبهذا الاعتبار ساغت نسبة الضلال الى الله مجازا ، لأنه هو الذي أبان الحجة الدامغة وأعلنها ، وترتب على اعلانها مخالفة المبطل وضلاله ، ولو سكت الله عن بيان الحجة لانتفى موضوع الطاعة والعصيان ، ولم يكن هناك ضال ومهتد.
وقد وصف الله من لا يتعظ بالأمثال ، وصفه بالفسق ، ونقض العهد ، وقطع ما أمر الله بصلته من متابعة الأخيار ، وملازمة الجماعة ، وغير ذلك مما فيه التعاطف والتعاون على الخير.
التكوين والتشريع :
لله سبحانه ارادتان : ارادة الخلق والتكوين ، ويعبر عنها «بكن فيكون» وبهذه الارادة يوجد الشيء من لا شيء .. والارادة الثانية ارادة الطلب والتشريع التي يعبر عنها بالأمر والنهي ، والدعوة الى فعل الخير ، وترك الشر ، فان فعل العبد الخير فعله بملء ارادته واختياره بلا جبر وإكراه ، وكذلك ان فعل الشر وترك الخير .. وإذا كان تنفيذ الأحكام الدينية بكاملها منوطا بارادة المكلفين