ينوم عقولنا تنويما». ولبلوغ هذه الغاية يكرر القرآن المعنى بأسلوب آخر ، مع زيادة الوعد أو الوعيد ، وما اليهما ، حسبما تستدعيه الحكمة.
الشفاعة :
لا بد للشفاعة من أطراف ثلاثة : مشفوع لديه ، ومشفوع له ، وشفيع هو واسطة بين الاثنين يتوسل لدى الأول أن يعين الثاني ، سواء أأذن المشفوع لديه بالشفاعة ، أو لم يأذن بها .. هذا في الشفاعة لدى المخلوق ، أما الشفاعة لدى الخالق تعالى فان معناها العفو والغفران للمذنب ، ولن تكون الشفاعة عند الله إلا بإذن من الله.
وقال صاحب مجمع البيان : «الشفاعة عندنا مختصة بدفع الضار ، وإسقاط العقاب عن مذنبي المؤمنين».
وأنكر المعتزلة والخوارج شفاعة محمد (ص) في أهل الكبائر من أمته بهذا المعنى الذي نقلناه عن صاحب مجمع البيان .. وأثبتها الإمامية والأشاعرة.
والعقل لا يحكم بالشفاعة من حيث الوقوع ، لا سلبا ، ولا إيجابا ، أما من حيث الإمكان فان العقل لا يرى أي محذور من وجود الشفاعة ، وعليه يتوقف وقوعها وثبوتها على صحة النقل عن الله ورسوله ، فمن ثبت لديه هذا النقل وجب عليه أن يؤمن بالشفاعة ، وإلا فهو معذور .. وبهذا يتبين معنا ان الشفاعة ليست أصلا من أصول الدين ، وان من أنكرها مؤمنا بالله ورسوله واليوم الآخر فهو مسلم بلا ريب.
وإذا رجعنا الى الآيات القرآنية وجدنا ان منها ما ينفي الشفاعة بوجه عام ، كقوله تعالى : في الآية ٢٥٤ من سورة البقرة : (أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) .. والنكرة في سياق النفي تفيد العموم ، ومنها ما أثبتت الشفاعة بشرط ، كقوله تعالى : (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) ـ النجم ٢٦».
وإذا عطفنا هذه الآية على الآية السابقة ، وجمعناهما في كلام واحد تكون النتيجة هكذا : ان الله يقبل الشفاعة من الشفيع بعد أن يأذن هو بها .. وليس