محمد (ص) كما في الآية ١٠١ من سورة البقرة : (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).
والمعنى ان الله سبحانه بعد أن بيّن للأنبياء ، والأمم التابعة لهم الدين أصولا وفروعا أخذ عليهم جميعا عهدا بأن يؤمنوا بمحمد (ص) ويناصروه ، كما انه هو بدوره يصدّق من سبقه من الأنبياء ، وما تركوه من الكتب ، كالتوراة والإنجيل.
ثم ان أخذ الله سبحانه الميثاق من الأنبياء انما يكون بطريق الوحي اليهم ، أما أخذه تعالى الميثاق من الأمم التابعة للأنبياء فيكون بواسطة الأنبياء ، أي ان كل نبي يأخذ الميثاق من علماء أمته أن يؤمنوا بمحمد ويناصروه ، وبتعبير أدق ان أخذ الميثاق على المتبوع يلزمه حتما أخذه على التابع ، وإذا وجب على النبي أن يؤمن بمحمد وجب ذلك على اتباعه بطريق أولى ، ومعنى ايمان الأنبياء بمحمد ومناصرته ، أن يعتقدوا بأنه آت من بعدهم ، وأن يبشروا بذلك ، قال تعالى : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) ـ ٦ الصف». وقال الإمام علي (ع) : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد في محمد (ص) وأمره أن يأخذ العهد على قومه فيه ، بأن يؤمنوا به ، ويناصروه إذا أدركوا زمانه.
ومعنى ايمان أمم الأنبياء بمحمد (ص) ومناصرتهم له ان يصدقه علماؤهم ورؤساء أديانهم ، ويعلنوا لمن يثق بهم ان محمد بن عبد الله هو النبي الذي بشر به الأنبياء ، وجاء اسمه في الكتب السماوية ، بحيث ينطبق عليهم قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) ـ ١٥٧ الاعراف». ولا يحرفون كلام الله كفرا وعنادا له ولمحمد (ص) ، كما أخبر عنهم سبحانه في الآية ٧٥ من سورة البقرة : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
(قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا). الاستفهام هنا للتقرير والتوكيد ، والإصر الميثاق ، والمعنى ان الله قال للأمم بلسان أنبيائهم : أأقررتم بمحمد وقبلتم العهد؟ قالت الأمم : نعم ، أقررنا بوجوب الإيمان به وبمناصرته ، وقبلنا ذلك والتزمناه ، والمراد بالأمم رؤساء الأديان وعلماؤهم العارفون بالكتب