الجواب : المقصود بالآية الثانية ان من قام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه المطلوب فلا يضره ضلال من ضل ، واعراض من أعرض ، ما دام قد أدى ما عليه : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) ـ ٤٠ الرعد».
سؤال ثان : لقد اشتهر عن رسول الله (ص) انه قال : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان». وهذا الترتيب يتنافى مع ما هو معروف شرعا وعقلا وعرفا من أن تغيير المنكر انما يبتدئ أولا باللسان ، فإن لم يجد فبالحرب ، فما هو الوجه لقول الرسول الأعظم؟.
الجواب : فرق بعيد بين تغيير المنكر ، وبين النهي عن المنكر ، فان النهي عن المنكر يكون قبل وقوعه ـ في الغالب ـ فهو أشبه بالوقاية ، كما لو احتملت ان شخصا يفكر بالسرقة ، فتنهاه عنها.
أما تغيير المنكر فيكون بعد وقوعه ، كما لو علمت ان شخصا سرق محفظة الغير ، فان كنت قادرا على انتزاعها من السارق ، وردها إلى صاحبها وجب عليك أن تباشر ذلك بنفسك إذا انحصر الرد بفعلك خاصة ، ولم يلحقك أي ضرر ، فإن لم تستطع وجب عليك أن تأمر السارق برد المحفظة الى صاحبها ، وتنهاه عن إمساكها ، فإن لم تستطع مقت السارق ، ولم ترض بفعله بينك وبين ربك .. وموضوع الحديث النبوي تغيير المنكر ، لا النهي عن المنكر.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها