المعنى :
هذه الآيات الثلاث واضحة المعنى لا تحتاج الى تفسير ، والمحصل منها ان أهل الكتاب ليسوا متساوين في الانحراف والضلال ، بل منهم جماعة طيبة صالحة ، وأكثر المفسرين حملوا هذا المدح على من أسلم من أهل الكتاب ، وحسن إسلامه عقيدة وعملا.
ان الدعوة الى الايمان بمحمد (ص) كنبي مرسل من السماء الى أهل الأرض ما زالت قائمة ، حتى اليوم ، والى آخر يوم ، وهي موجهة الى جميع الناس في الشرق والغرب دون استثناء : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) ـ ١٥٦ الاعراف». أما الدليل على صدقها فمنطق العقل وثبوت المعجزة وصلاح الدين للحياة ، قال رسول الله (ص) : «أصل ديني العقل». وقال تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) ـ ٢٤ الأنفال». وليس من غرضنا أن نستدل هنا على نبوة محمد (ص) (١) .. وانما الغرض أن نبين : هل من لم يؤمن بنبوة محمد مستحق للعقاب ، أو لا بد من التفصيل؟.
وقبل أن نفرّق بين العالم والجاهل ، والقاصر والمقصر نشير الى الأصول الرئيسية ، والمقاييس الأولى لاستحقاق العقاب وعدمه ، ومنها تتضح الحقيقة ، والتمييز بين الأفراد.
وقد تسالم الجميع على ان الإنسان كائنا من كان ، وعلى أي دين كان لا يستحق العقاب الا بعد قيام الحجة عليه .. ولا تقوم الحجة عليه الا بعد استطاعته الوصول الى دليل الحق ، وقدرته على العمل به ، ومع ذلك تركه
__________________
(١) عرضنا الأدلة عند تفسير الآية ٢٣ ـ ٢٥ من سورة البقرة ، وذكرنا طرفا من اخلاق الرسول (ص) في هذا المجلد عند تفسير الآية ١٦٠ من السورة التي نحن بصددها.