بأي سبيل. وليس من شك ان من المفيد للعاقل أن يبحث عن أحوال الناس ، ويطلع على الأسباب الموجبة لضعفهم ، أو قوتهم ، فيتعظ ويعتبر ، ويسترشد إلى ما فيه خيره وصلاحه ، ومن أجل هذا قال عز من قائل :
(هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ). هذا اشارة الى ذكر السنن الحكيمة التي من سار عليها ظفر ، ومن تنكبها خسر .. ولا بد من البيان للناس كافة ، ليكون حجة على من عصى ، وهدى وموعظة لمن اتقى ، فانه السبيل الوحيد الذي يميز بين العاصي والمطيع .. ولو لا البيان لا طاعة ولا عصيان.
في سنة ١٣٨٧ ه دعاني أهل البحرين لالقاء محاضرات دينية بمناسبة شهر رمضان المبارك ، ومكثت عندهم حوالي ٢٥ يوما ألقيت خلالها عشرين محاضرة ، وكان الشباب يوجهون إليّ العديد من الأسئلة المتنوعة ، وفي ذات يوم جاءني وفد منهم ، وقالوا : حدثنا عن أسباب نكسة ٥ حزيران من غير الوجهة الدينية.
قلت : لا فرق بين العلم والدين من حيث النظر الى القوانين والسنن التي تحكم الحياة ، فإن مشيئة الله سبحانه في خلقه وعباده تسير على سنن علمية مستقيمة وأسباب مطردة ، لا تختلف باختلاف المؤمنين أو الكافرين .. فالعارف بفن السباحة ـ مثلا ـ يعوم ويصل إلى شاطئ الأمان ، ولو كان كافرا ، والجاهل بالسباحة يرسب ، ويكون عرضة للهلاك ، ولو كان مؤمنا .. وكذلك من أعد العدة لعدوه واحتاط له ظفر به ، وان كان ملحدا ، إذا لم يكن الطرف الآخر على حذر واستعداد ، ومن تقاعس وأهمل خسر ، وان كان من الأولياء والصديقين. قال تعالى مخاطبا أصحاب الرسول (ص) بالآية ٤٦ من الأنفال : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). وقال الإمام علي (ع) : «ان هؤلاء ـ يشير إلى أصحاب معاوية ـ قد انتصروا بإجماعهم على باطلهم ، وخذلتم ـ الخطاب لأصحابه ـ بتفرقكم عن حقكم». اذن ، الحق لا ينتصر لمجرد انه حق ، والباطل لا يخذل لمجرد أنه باطل ، بل هناك سنن في هذه