الله ووبخهم على انقلابهم على أعقابهم ان مات رسول الله أو قتل». ونقل صاحب تفسير المنار عن أستاذه الشيخ محمد عبده ان كلمة (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) عامة تشمل الارتداد عن الدين ، والارتداد عن تأييد الحق ، ثم علق صاحب المنار على ذلك بقوله : (هذا هو الصواب). اذن ، فالانقلاب المقصود بالآية لا ينحصر بترك كلمة التوحيد ، بل يشمل ترك العمل بالحق الذي أوصى به النبي (ص) .. ويعزز ذلك ما جاء في الجزء التاسع من صحيح البخاري ، كتاب الفتن ، ان رسول الله (ص) يقول يوم القيامة : أي ربي أصحابي .. فيقول له : لا تدري ما أحدثوا بعدك .. وفي حديث ثان من أحاديث البخاري:انك لا تدري ما بدلوا بعدك؟. فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي .. وليس من شك ان المراد بهذا التبديل الاعراض عن سنته ووصيته ، ومخالفة أقواله وشريعته.
(وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) بل يضر نفسه بتعريضها لسخط الله وعذابه. (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ). قال ابن القيم الجوزية في الجزء الثاني من زاد المعاد ص ٢٥٤ : «والشاكرون هم الذين عرفوا قدر النعمة فثبتوا عليها ، حتى ماتوا أو قتلوا. فظهر أثر هذا العتاب وحكم هذا الخطاب يوم مات رسول الله (ص) وارتد من ارتد على عقبيه».
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً). وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :
(فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) ـ ٣٣ الاعراف». والمعنى ان الحياة والموت بيده تعالى ، وان الأجل محدود بعلمه لا تقديم فيه ولا تأخير ، سواء أكان سببه السيف أو المرض أو الهرم أو غيره ، قال الإمام علي (ع) : كفى بالأجل حارسا. وقال الأجل جنة حصينة .. وفي الآية تحريض على الجهاد ، لأن الأجل محتوم ، ولا أحد يموت قبل بلوغ أجله ، وان اقتحم المهالك.