هذا ، ولو عاش الإنسان طول حياته معافى من النكبات والصدمات لكان حقيقة غريبة عن أذهان الناس .. ان المصاعب تطهير النفوس ، وتهذبها من المضار ، وان الصبر على تحمل الشدائد يبلغ بالإنسان الى غاياته وأهدافه ، فلقد دلتنا التجارب ان ما من محارب أو سياسي أو تاجر أو عالم أو أديب أو عامل أو فلاح نال شيئا مما يبتغيه الا بالثبات والصبر على المصاعب.
ولو بحثنا عن سر الفشل في هذه الحياة لألفيناه الضعف والخوف من طول الطريق ، وعدم الصبر على تحمل أتعابه وأوصابه .. أقول هذا ، وقد جربته من نفسي ، وبلغت بالصبر ما لم أكن لأحلم ببعضه .. الحمد لله .. جربت فأيقنت ان الصبر يصنع المعجزات ، وان الذكاء لا يجدي شيئا الا مع الصبر.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ). قال أكثر من واحد : ان المراد من هذه الآية خصوص الرماة الذين أمرهم رسول الله (ص) أن يثبتوا في أماكنهم ليدفعوا المشركين عن ظهور المؤمنين ، ثم تركوا مواقعهم بعد أن ظنوا ان المشركين انهزموا الى غير رجعة.
ولكن الآية لم تخص الرماة بالذكر ، وعليه فهي عامة تشمل الرماة وغيرهم من المنهزمين يوم أحد ..
أجل ، ان عمومها خاص بالمنهزمين المؤمنين بالله والرسول ، ولا تشمل المنافقين بدليل قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ). لأن الله لا يعفو عن المنافق المصر على النفاق الذي هو أعظم من الشرك العلني .. والخلاصة ان من انهزم يوم أحد غير شاك بالله ورسوله ، وانما فر لعارض من الطمع أو عدم الصبر والتماسك ، وما الى ذلك مما لا ينزه عنه الا المعصوم ، ولا يمت الى النفاق والشك بصلة ، ان هذا قد عفا الله عنه وان كان من أثر زلته الذي كان.