المعنى :
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ). خاطب الله سبحانه صحابة النبي (ص) فيما سبق من الآيات ، ثم اتجه بهذه الآية الى نبيه الكريم (ص). وسبق البيان ان المسلمين خالفوا أمر الرسول (ص) يوم أحد ، وكان من نتيجة مخالفتهم وعصيانهم لنبيهم ان انقلبوا على أعقابهم منهزمين ، وتركوا النبي (ص) عند الشدة ، حيث كانت الحرب قائمة على قدم وساق ، حتى أثخنه الأعداء بالجراح ، فكسرت رباعيته ، وشج وجهه ، ونزفت جراحه ، وهو صامد مع نفر قليل ، يدعو الفارين ، ولا يستجيبون له.
وبعد ان انتهت المعركة رجع المسلمون الى النبي (ص) فلم يعنفهم ، ويخاطبهم بالملامة ، وهم مستحقون لأكثر منها .. بل تجاهل كل شيء ، ورحب بهم ، وكلمهم برفق ولين ، وما هذا الرفق واللين الا رحمة من الله بنبيه وعون له على رباطة الجأش وضبط الأعصاب.
وإذا مدح الله نبيه بكظم الغيظ والرفق بأصحابه على إساءتهم له فبالأولى أن يعفو الله ويصفح عن عباده المسيئين .. قال الإمام علي (ع) في وصف الباري جل وعز : «لا يشغله غضب عن رحمته». وفي الدعاء المأثور : يا من سبقت رحمته غضبه.
ثم بيّن سبحانه الحكمة من لين جانب نبيه الكريم (ص) ، بخطابه له : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). وشمت العدو بك ، وطمع فيك ، ولم يتم أمرك وتنتشر رسالتك .. ان المقصود من بعثة الرسول هداية الخلق الى الحق ، وهم لا يستمعون إلا لمن تميل قلوبهم اليه ، وتسكن نفوسهم لديه ، والنفوس لا تسكن ولا تركن إلا الى قلب رحيم كبير ، كقلب محمد (ص) الذي وسع الناس ، كل الناس ، وما ضاق بجهل جاهل ، أو ضعف ضعيف ، بل كان يأمر بالرحمة بالحيوان ويقول : إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، ليحد أحدكم شفرته ، ليريح ذبيحته. وقال : لكل كبد أجر. ان الله غفر لمومس لأنها أنقذت كلبا من الموت عطشا.
(فَاعْفُ عَنْهُمْ). فيما يتعلق بحقك الخاص ، حيث تركوه في ساعة الشدة ،