المعنى :
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ). بعد ان حرض سبحانه فيما تقدم على بذل النفس عقبه بالتحريض على بذل المال .. والمقصود بالآية الذين يمتنعون عن إعطاء الزكاة والخمس الواجبين ، لا عن بذل الصدقة المستحبة ، لأن الوعيد الشديد الذي دلت عليه الآية انما يحسن على ترك الواجب دون المستحب.
وقيل : المراد بالآية من كتم اسم محمد (ص) وصفاته الواردة في التوراة والإنجيل ، وقيل : بل كلّ من بخل بعلمه عمن يحتاج اليه .. ولكن المتبادر من الآية البخل بالمال ، لا بالعلم ، ويومئ اليه قوله تعالى.
(سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ). هذا تفسير لقوله (هُوَ شَرٌّ لَهُمْ). والتطويق هنا كناية عن شدة العذاب نظير قوله تعالى : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) ـ ٣٦ التوبة».
لقد حث الله سبحانه على البذل والإنفاق في العديد من آياته ، وفي الكثير منها إيماء الى أن جميع الأموال ليست ملكا لمن هي في يده ، وانما هي ملك لله وحده ، والإنسان أمين عليها ، ومأذون بالتصرف فيها ضمن حدود معينة لا يجوز أن يتعداها ، تماما كالوكيل على الشيء يتبع ارادة الأصيل في جميع التصرفات (١) ومن تلك الآيات هذه الآية : (يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) .. والآية ٧٧ من القصص : (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ..) والآية ٤٧ من سورة يس : (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) .. الى كثير غيرها .. وفي الحديث القدسي : المال مالي ، والأغنياء وكلائي ، والفقراء عيالي ، فمن بخل بمالي على عيالي أدخلته النار ، ولا أبالي. وأصرح الآيات دلالة الآية ٧ من سورة الحديد :
__________________
(١) بعد أن تنتهي من قراءة هذا الفصل اقرأ فصل «الايمان بالله ومشكلة العيش» في تفسير الآية ٥ من سورة النساء ، فانه مرتبط بهذا الفصل.