المعنى :
ومعنى مفردات الآيات الثلاث واضح ، والمهم بيان المقصود من مجموعها .. وقال كثير من المفسرين في شرحها ما يتلخص بأن الكافر يعيش في هذه الحياة في رخاء ولين ، ولكن مصيره الى وبال وشقاء ، والمؤمن يعيش في شك وضيق وعاقبته السعادة والهناء. وبكلمة ان الدنيا سجن المؤمن ، وجنة الكافر ، والآخرة بالعكس.
والذي نفهمه نحن من هذه الآيات انها تعرضت للمقارنة بين الذين يؤثرون دنياهم على دينهم ، ولا يعملون إلا بوحي من مصالحهم الشخصية ، كاليهود ومن على شاكلتهم ، وبين الذين يؤثرون الدين على الدنيا مهما تكن النتائج ، وعبر عن الفريق الأول بالذين كفروا ، لأنهم يكفرون بالحق ، ولا يقيمون له وزنا ، وعبر عن الفريق الثاني بالذين اتقوا ربهم ، لأنهم تجنبوا سخطه ومعصيته .. وليس من شك ان من عمل للدنيا ، وجعلها كل همه ، واستباح من أجلها المحرمات يجتمع في يده الكثير من حطامها ، كما نشاهد ذلك بالفعل ، على العكس ممن زهد في الحرام ، وآثر عليه الجوع والحرمان.
والمراد بتقلب الفريق الأول في البلاد تنعمهم فيما انتهبوا من خيراتها ومقدراتها. وقد يتوهم ويظن ان مظاهر النعمة والترف على أهل الباطل خير لهم وكرامة ، وان مظاهر الشظف والحرمان على أهل الحق شر ومهانة ، فدفع الله هذا التوهم بأن العكس هو الصحيح ، فان نعمة المبطلين متاع قليل ، ثم الى جهنم وبئس المصير ، وان بؤس المحقين الى زوال ، ثم الى نعيم دائم ، وراحة أبدية.
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠))