التوبة فرع عن وجود الذنب ، لأنها طلب للصفح عنه .. ولا يخلو الإنسان من ذنب ما كبيرا كان أو صغيرا إلا من عصم الله ، وقد نسب الى الرسول الأعظم (ص) قوله :
ان تغفر اللهم تغفر جما |
|
وأي عبد لك ما ألمّا |
وقد أوجب سبحانه التوبة على من أذنب ، تماما كما أوجب الصوم والصلاة ، ومن الآيات الدالة على وجوبها هذه الآية : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ). وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) ـ ٩ التحريم». وقوله : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) ـ ٣ هود». وقوله : (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ـ ١١ الحجرات».
والحقيقة ان وجوب التوبة لا يحتاج الى دليل ، لأنه من القضايا التي تحمل دليلها معها ، فكل انسان يدرك بفطرته ان على المسيء أن يعتذر عن إساءته ، ويطلب الصفح ممن أساء اليه ، وقد جرى على ذلك عرف الدول والشعوب ، حتى ولو حصل التعدي خطأ ، ومن غير قصد ، فإذا اخترقت طائرة دولة أجواء دولة أخرى ، أو تجاوز زورق من زوارقها المياه الاقليمية ، دون اذن سابق وجب أن تعلن اعتذارها ، والا أدانها العرف والقانون .. اذن ، كل آية أو رواية دلت على وجوب التوبة فهي تقرير وتعبير عن حكم الفطرة ، وليست تأسيسا وتشريعا جديدا لوجوب التوبة.
وعلى هذا فمن أذنب ، ولم يثب فقد أساء مرتين : مرة على فعل الذئب ، ومرة على ترك التوبة ، وأسوأ حالا ممن ترك التوبة من فسخها ، وعاد الى الذنب بعد أن عاهد الله على الوفاء بالطاعة والامتثال ، قال تعالى : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) ـ ٩٥ المائدة». وفي الحديث : «المقيم على الذنب. وهو مستغفر منه كالمستهزء» .. الله يستهزئ بهم ، ويمدهم في طغيانهم يعمهون.
ويتحقق الذنب بترك ما أمر الله به ، أو فعل ما نهى عنه عن قصد وتصميم .. وبديهة ان أحكام العقل هي أحكام الله بالذات ، لأنه جل وعز يبلغ أحكامه