ومحاسبتها على كل عيب ونقص ، وجهادها على الكمال والطاعة ، هذا الجهاد الذي عبّر عنه رسول الله (ص) بالجهاد الأكبر .. وقديما قال الأنبياء والحكماء : اعرف نفسك. ومرادهم ان يعرف الإنسان ما في نفسه من عيوب ، ويعمل على تطهيرها من كل شائبة.
وقد يقول قائل : ان الإنسان نتيجة لعوامل كثيرة : منها أبواه ومدرسته ، ومجتمعه ومناخه ، وما إلى ذلك مما يؤثر في تكوين شخصيته ، ولا حول معه ولا طول ، وعليه فلا يتصف الإنسان بأنه أذنب وأساء ، لأن الذنب ذنب المجتمع والظروف ، ومتى انتفى الذنب انتفى موضوع التوبة من الأساس؟.
الجواب : صحيح ان محيط الإنسان وظروفه تؤثر به .. ولكن صحيح أيضا ان ذات الإنسان وارادته تؤثر في ظروفه وبيئته ، كما يتأثر هو بها ، لأن لكل من الإنسان وظروفه واقعا ملموسا ، وكل شيء له واقع ملموس لا بد أن يكون له أثر كذلك ، وإلا لم يكن شيئا ، وعلى هذا يستطيع الإنسان أن يؤثر في ظروفه ، بل يستطيع أن يقلبها رأسا على عقب ، إذا كان عبقريا .. والشاهد الحس والوجدان.
ان شأن الظروف التي يعيشها الإنسان أن تبعث في نفسه الميل والرغبة في ثمار الظروف ونتاجها ، وعلى الإنسان أن ينظر ويراقب هذه الثمار ، وتلك الرغبة ، فإن كانت متجهة الى الحسن من الثمار اندفع مع رغبته ، وإلا أوقفها وكبح جماحها .. وليس هذا بالأمر العسير .. ولو لم يكن للإنسان مع ظروفه حول وطول لما اتصف بأنه محسن ، وبأنه سيء ، ولبطل العقاب والثواب ، وسقط المدح والذم ، ولما كان لوجود الأديان والأخلاق والشرائع والقوانين وجه ومبرر.
سؤال ثان : قلت : ان التوبة فرع الذنب ، مع العلم بأن الأنبياء والأئمة كانوا يتوبون الى الله ، وهم مبرو أن عن العيوب والذنوب.
الجواب : ان الأنبياء والأئمة مطهرون من الدنس والمعاصي ، ما في ذلك ريب .. ولكنهم كانوا لمعرفتهم بالله ، وشدة خوفهم منه يتصورون أنفسهم مذنبين ، فيتوبون من ذنب وهمي لا وجود له .. وهذا مظهر وأثر من آثار عصمتهم وعلو مكانتهم .. لأن العظيم من لا يرى نفسه عظيما ، بل لا يراها