(وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ). بعد أن أوجب سبحانه رد الأمانة الى أهلها عقب بوجوب العدل في الحكم بين الناس ، لأن من لا ينصف الناس من نفسه فلا يحق له أن ينصبها حكما بينهم .. ووجوب العدل لا يختص بالقاضي ، بل يشمل الوالي أيضا ، والوالي العادل هو الذي يهتم بجميع نواحي الحياة ، كالصحة والثقافة والعيش والحرية للجميع .. وقبل كل شيء يجب عليه أن لا يدع منفذا لطامع ـ أجنبيا كان أو من الوطن ـ يسلك منه الى التحكم والسيطرة على شأن من شئون الناس ومقدراتهم .. فلقد أثبتت الأحداث التي مررنا بها ان المصدر الأول والأخير لما أصابنا من ويلات ونكبات هو تسرب اللصوص وغير الاكفاء الى مراكز القوة ، والمناصب العالية.
أما عدل القاضي فيتمثل في مساواته بين الخصمين في كل شيء ، وإعطاء كل ذي حق حقه بصرف النظر عن دينه وعقيدته ، وصداقته وعداوته ، وعظمته وضعته ، وما عرف التاريخ شريعة اهتمت وتشددت في ذلك كالشريعة الاسلامية ، قال رسول الله (ص) : «من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين» يشير الى أن مهمة القاضي أصعب المهمات وأدقها ، لأن عليه أن يجاهد نفسه ويكافحها إذا كان الحق على غير ما يهوى .. وقال «القضاة ثلاثة : قاضيان في النار ، وقاض في الجنة ، فأما الذي في الجنة فرجل علم الحق ، فقضى به ، وأما اللذان في النار فرجل قضى للناس على جهل ، ورجل علم الحق ، وقضى بخلافه» .. وقد تواتر ان عليا أمير المؤمنين (ع) جلس للمحاكمة بين يدي قاضيه شريح هو ونصراني خاصمه في درع.
(إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ). المراد بالعظة هنا الأمر برد الأمانة ، ولفظ نعم يشعر بأن الله سبحانه لا يأمر إلا بما فيه الخير والصلاح.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). لقد كثر الكلام والنقاش حول المراد من أولي الأمر ، وما يعتبر فيهم من صفات ، كما تشبث بها الحكام الأدعياء على وجوب اطاعتهم ، أو السكوت عنهم ـ على