أما طريقتهم فيما لا نص فيه من الكتاب والسنة فهي الرجوع الى حكم العقل البديهي القطعي الذي لا يختلف فيه اثنان ، مثل قبح العقاب بلا بيان ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وليس القياس من هذا الباب ، لأن نتائجه كلها ظنية ، والظن لا يغني عن الحق شيئا (١).
ومما استدل به الشيعة على بطلان القياس ان الأمور العرفية يصح قياس بعضها على بعض ، لأن أسبابها بيد العرف ، أما الأحكام الدينية فلا يصح فيها القياس ، لأن الشرع قد جمع بين المختلفات ، كما في موجبات الوضوء ، حيث سوّى بين النوم والبول ، وفرّق بين المجتمعات ، حيث أوجب قطع يد من سرق درهما ، دون من اغتصب مئات الألوف.
(إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). قال صاحب مجمع البيان : «فما أبين هذا وأوضحه». ونقول : ما ألطف هذا التفسير وأحسنه. (ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً). أي ان اطاعة الله والرسول ، وإرجاع حكم المختلف فيه الى الكتاب والسنة أحمد عاقبة ومآلا ، هذا إذا فسرنا التأويل في الآية بالمال. وقيل : المراد به التفسير ، وعليه يكون المعنى ان تفسير الله والرسول لما تنازعتم فيه خير وأحسن من تفسيركم ، ومهما يكن ، فان لفظ التأويل يتحمل المعنيين.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى
__________________
(١) هذا ما عليه العمل اليوم عند علماء الشيعة ، ولكن الموجود في عهد علي أمير المؤمنين لمالك الأشتر ان الرد إلى الله في الآية هو الأخذ بالنص الصريح في كتاب الله ، والرد إلى رسول الله هو الأخذ بسنته التي أجمع المسلمون على نسبتها اليه.