المعنى :
(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ). نزلت هذه الآيات في خصوص المنافقين الذين بقوا في دار الكفر ، ولم يهاجروا الى المدينة بدليل قوله تعالى : (حَتَّى يُهاجِرُوا) لأن الهجرة انما تكون من دار الكفر الى دار الإسلام ، وقبل فتح مكة كانت المدينة هي الدار الوحيدة للإسلام .. وظاهر هذه الآيات صريح في أن حكم من نافق ، وبقي في دار الكفر غير حكم من نافق وهو مقيم في دار الإسلام ، لأن الله سبحانه أمر بقتل أولئك وأسرهم ، دون هؤلاء .. وقبل أن ينزل هذا الأمر من السماء اختلف الصحابة ، وانقسموا فئتين في حكم المنافقين الذين بقوا في دار الكفر : فئة ترى مقاطعتهم وعدم الاستعانة بهم في شيء ، بل وإعلان الحرب عليهم ، تماما كمن جاهر بالشرك وعداء المسلمين. وفئة ترى التساهل والتسامح ، وان يعاملوا معاملة المسلمين.
ويظهر ان النبي (ص) سكت عن هذا الخلاف ، حتى حسمه الله بقوله : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) أي لا ينبغي أن تختلفوا في أمرهم ، بل عليكم أن تجمعوا قولا واحدا على عدم التساهل معهم بحال ، وبيّن سبحانه السبب الموجب بقوله : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) أي رد حكمهم الى حكم الكفار المحاربين من جواز قتلهم وسبيهم ، لأنهم كالكافر المحارب ، أو أشد ضررا بسبب بقائهم في دار الشرك الذي لا يستفيد منه إلا عدو الإسلام والمسلمين.
(أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ). هذا يشعر بأن الفئة المتسامحة من المسلمين كانت تأمل أن يعود هؤلاء المنافقون الى الهداية ، فقطع الله أملهم بقوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً). وتسأل : لقد أخبر أولا ، عظمت كلمته ، انه أركس أولئك المنافقين بسبب كسبهم وسوء اختيارهم للبقاء في دار الكفر .. ثم قال سبحانه : انه هو الذي أضلهم .. فأضاف اضلالهم اليه بعد ان أضافه اليهم ، فما هو وجه الجمع؟.