الآية ما جاء في مجمع البيان ان جماعة من أشجع جاءوا الى النبي (ص) ، وقالوا له : ان دارنا قريبة من دارك ، وقد كرهنا حربك ، وحرب قومنا ، وأتينا لنوادعك ، فقبل منهم ، ووادعهم. فرجعوا الى بلادهم.
ولا شيء أقوى وأصدق من هذا في الدلالة على ان الإسلام سلم لمن سالمه ، وحرب على من حاربه.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ). ان الله سبحانه لا يتدخل بمشيئته التكوينية (١) في شيء من أمور الناس ، وانما أراد بقوله هذا ان يذكّر المسلمين بفضله عليهم .. وانه كان من الممكن أن ينضم هؤلاء الى أعداء المسلمين ، ولكن الله سبحانه صرفهم عن ذلك بوقوفهم على الحياد ، فقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) معناه لجرأهم عليكم ، ولم يجعل لكم هيبة في نفوسهم تبعثهم على طلب الموادعة والمتاركة .. وليس هذا من باب المشيئة التكوينية ، بل من المشيئة التوفيقية ، ان صح التعبير.
(فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً). (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) ـ ٤٢ الشورى» .. وأيضا قال عز من قائل : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) ـ ٨ الممتحنة» .. وقال جلت حكمته : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) ـ ٦٢ الأنفال». الى غير ذلك من الآيات التي تدعو الى المحبة والاخوة والمساواة ، والتعاون على كل ما فيه صلاح للناس بجهة من الجهات .. وأروع ما في الإسلام انه يعتبر الأعمال الانسانية من صميم الدين وصلبه ، بل يعتبرها السبيل الوحيد الى الله.
(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى
__________________
(١) تكلمنا عن ارادة الله التكوينية والتشريعية عند تفسير الآية ٢٦ ـ ٢٧ من سورة البقرة ، فقرة التكوين والتشريع ، المجلد الأول ، ص ٢٧.