وهجرة الفلسطينيين من الأرض المقدسة :
من عجيب الصدف وغرائبها أن يتفق ـ من غير قصد ـ وصولي بتفسير القرآن الكريم الى آيات الهجرة ـ مع أول السنة الهجرية لعام ١٣٨٨ ، وإسرائيل تحتل أرضنا المقدسة ، وأهلنا يهاجرون منها فرارا من التنكيل والتقتيل الجماعي الذي مارسته إسرائيل ، وما زالت تمارسه.
وقد أوحت إليّ هذه الصدفة بالمقارنة بين اعتداء المشركين في مكة على المسلمين ، وإخراجهم من ديارهم ، وبين الاعتداء الاسرائيلي ـ وبالأصح ـ الاعتداء الاستعماري على الأرض المقدسة ، وإخراج أهلها من ديارهم. ثم انتقلت من هذه المقارنة الى استخراج العبرة والعظة من جهاد النبي (ص) والمسلمين في هجرتهم ، وتدبير الخطط وأحكامها الذي بلغ بالمسلمين الى أوج النصر على عدوهم ، وتحطيم طغيانه وعدوانه ، وأوقف صناديد قريش الذين أخرجوا النبي من مكة ، أوقفهم بين يديه أذلاء مستسلمين ، يستمعون اليه ، وهو يقول لهم : «ما تظنون اني فاعل بكم»؟
وقد يظن البعض ان الهدف الأول من هجرة النبي والمسلمين هو مجرد الهروب بدينهم من المشركين الذين تعرضوا لهم بالأذى ، ومنعوهم من ممارسة الشعائر والأعمال الدينية ، تماما كما يلتجئ العابد الزاهد الى المسجد ، لقيم فيه صلاته بعيدا عن الضوضاء والغوغاء ... كلا ، لقد كانت هجرة المسلمين أبعد وأعمق من ذلك ... والدليل ما حققته من نتائج وأهداف. لقد كانت هجرة الرسول بالاضافة الى الهروب بالدين ـ خطة مرسومة ومدبرة تمهيدا للمعركة الفاصلة ، تماما كانسحاب الجيش من ميدان القتال الى موقع آخر من مواقعه استعدادا للهجوم المعاكس والانقضاض على العدو بضربة قاضية لا تقوم له بعدها قائمة.
وبعد أن وصل النبي الى المدينة آخى بين أصحابه ، وجمع القلوب المتخاصمة ، وأذاب ما فيها من عصبية وأحقاد ، وحين تم له ذلك بدأ يرغّب المسلمين في الجهاد ، ويحثهم على الدفاع عن كيانهم وعقيدتهم ، ويضمن الجنة لمن يقتل في سبيل الله ، والعزة والكرامة دنيا وآخرة لمن ينجو من القتل. ولما أخذت هذه