وهذه الصورة كافية وافية في الدلالة على ان الصلاة فرض لازم ، لا يسقط أثناء النزال والقتال ، ولا حين النزع والاحتضار ، وان المرء يؤديها كما وكيفا حسب إمكانه ومقدرته.
(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ).
هذا بيان لصلاة الخوف جماعة ، والمعنى إذا أردت يا محمد الصلاة جماعة بالمقاتلين فاجعلهم طائفتين : واحدة تصلي معك ، وهي حاملة السلاح ، والثانية تقف بإزاء العدو للحراسة ، وكما تصح جماعة مع النبي (ص) تصح مع غيره أيضا.
(فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ). أي إذا سجد من يصلي مع الرسول (ص) فلتقف الطائفة الحارسة خلف المصلين. (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ). أي بعد أن تنتهي الأولى من الصلاة تأخذ الثانية مكان الأولى في الصلاة ، وتأخذ الأولى مكان الثانية في الحراسة. (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً). هذا بيان للحكمة التي استدعت تشريع الصلاة في هذه الحال بهذا الشكل ، وهي ان لا يغتنم العدو فرصة اشتغال المسلمين المقاتلين بالصلاة ، فيباغتهم ، وينال منهم ما يريد.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ). بعد أن أمر سبحانه المصلين بحمل السلاح أذن لهم بتركه ، إن ثقل عليهم حمله بسبب المطر أو المرض ، ولكنه تعالى أوجب عليهم الحيطة والتيقظ ، كي لا يصيب العدو منهم غرة.
(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ). المراد بالصلاة هنا صلاة الخوف وبقضائها الفراغ منها. والمعنى ان ذكر الله حسن على كل حال ، لا في الصلاة فقط ، قال الامام علي (ع) : افترض الله من ألسنتكم الذكر ، وأوصاكم بالتقوى ، وجعلها منتهى حاجته من خلقه. وقال ابن العربي في الجزء الرابع من الفتوحات المكية : من حاز على ذكر الله في قيامه وقعوده واضطجاعه فقد حاز الوجود.
(فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً).