المعنى :
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً). تقدمت هذه الآية مع تفسيرها في الآية ٤٨ من هذه السورة ، ولا اختلاف بين النصين إلا في التتمة ، حيث قال هناك : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) وقال هنا : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) والمعنى واحد.
تكلمنا عن التكرار في القرآن عند تفسير الآية ٤٨ من سورة البقرة ، المجلد الأول ص ٩٦ ، ونعطف عليه ما قاله صاحب تفسير المنار عند تفسيره لهذه الآية :
«ان القرآن ليس قانونا ، ولا كتابا فنيا ، يذكر المسألة مرة واحدة ، يرجع اليها حافظها عند ارادة العمل بها ، وانما هو كتاب هداية .. وانما ترجى الهداية بإيراد المعاني التي يراد ايداعها في النفوس في كل سياق يعدها ويهيؤها لقبول المعنى المراد ، وانما يتم ذلك بتكرار المقاصد الاساسية ، ولا يمكن أن تتمكن دعوة عامة إلا بالتكرار ، ولذلك نرى أهل المذاهب الدينية والسياسية الذين عرفوا سنن الاجتماع وطبائع البشر وأخلاقهم يكررون مقاصدهم في خطبهم ومقالاتهم التي ينشرونها في صحفهم وكتبهم».
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً). كان العرب قبل محمد (ص) يزعمون ان الملائكة بنات الله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) ـ ٤٠ الاسراء». وقد حملهم هذا الاعتقاد على أن يتخذوا تماثيل يسمونها أسماء الإناث ، كاللات والعزى ومناة ، ويرمزون بالأصنام الى الملائكة التي زعموا انها بنات الله .. وكانوا يتقربون بها الى الله زلفى في بدء الأمر ، ومع مرور الأجيال تحولت تلك الأصنام عندهم إلى آلهة تخلق وترزق .. وهكذا تتحول وتتطور زيارة قبور الأولياء ـ عند الاعراب والعوام ـ من تعظيم الشعائر