وتقديس المبدأ الذي مات عليه صاحب القبر الى الاعتقاد بأنه قوة عليا تجلب النفع ، وتدفع الضر.
(وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً). أي ان عبادة المشركين للأصنام هي في واقعها عبادة الشيطان نفسه ، لأنه هو الذي أمرهم بها فأطاعوا أمره ، ومن أطاع غيره ، وسلك مسالكه فهو عبد مأمور له.
(لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً). النصيب المفروض الحصة الواجبة ، والمعنى ان الشيطان قال لله ، جل وعز : ان لي سهما فيمن خلقتهم لعبادتك ، وقلت عنهم فيما قلت : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ـ ٥٦ الذاريات ، وان هذا السهم فرض واجب لي يطيعني ويعصيك.
وتسأل : ان ظاهر الآية يدل على ان الشيطان شخص حقيقي ، وانه يخاطب الله بقوة وثقة ، فهل الكلام جار على ظاهره ، أو لا بد من التأويل؟.
الجواب : نقل صاحب تفسير المنار عن أستاذه الشيخ محمد عبده ان في كل فرد من أفراد الإنسان استعدادا لعمل الخير والشر ، ولاتباع الحق والباطل ، والى هذا الاستعداد أشار سبحانه بقوله : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) ـ ١٠ البلد» ، وان النصيب المفروض للشيطان من الإنسان هو استعداده للشر الذي هو أحد النجدين. وعليه يكون لفظ الشيطان كناية عن هذا الاستعداد.
وفي ص ٢٠ من المجلد الأول تكلمنا عن المراد من الشيطان .. وغير بعيد أن يكون هذا القول الذي جاء على لسان الشيطان (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) أن يكون تصويرا لواقع العصاة الذين تغلّب فيهم جانب الاستعداد للشر على جانب الاستعداد للخير ، وليس خطابا حقيقيا مع الله سبحانه.
وقال قائل : ان فكرة الشيطان سيطرت على عقول الناس يوم كان العلم مجرد كلمات تقال في حلقات الدرس ، وسطور تملأ صفحات الكتب ، ولا تتجاوزها الى العمل الا قليلا ، أما اليوم فقد أصبحت فكرة الشيطان بشتى تفاسيرها خرافة