واختلف الفقهاء في معنى العدالة ، وأطالوا الكلام ، فمنهم من قال : انها ظاهر الإسلام ، مع عدم ظهور الفسق. وقال آخر : انها ملكة راسخة في النفس تبعث على فعل الواجب ، وترك المحرم. وثالث : انها الستر والعفاف. ورابع انها ترك الكبائر ، مع عدم الإصرار على الصغائر.
وفي قوله تعالى : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) إيماء الى أن العدالة هي مخالفة الهوى. ووصف علي أمير المؤمنين (ع) أخا له في الله فيما وصف انه «كان إذا بدهه ـ أي فجأه ـ أمران نظر أيهما أقرب الى الهوى فخالفه». وقال : «كان أول عدله نفي الهوى عن نفسه».
وقال حفيده الإمام جعفر الصادق (ع) : اما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه.
(وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً). الليّ هو المطل والتسويف ، والمعنى لا تسوفوا في أداء الشهادة ، ولا تعرضوا عنها .. ثم هدد وتوعد بأن من يفعل ذلك يعلم به الله ، ويعاقبه عليه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ). قد يؤمن الإنسان بالخالق المكون ، وينكر النبوة والكتب السماوية ، وقد يعترف بنبوة بعض الأنبياء دون بعض ، وببعض الكتب دون بعض ، أو ينكر وجود الملائكة ، أو اليوم الآخر. وقد بينت هذه الآية أركان الايمان التي يجب أن يعترف بها كل من ترك الشرك والإلحاد ، ويؤمن بها ككل لا يتجزأ ، وهي الايمان بالله وجميع رسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر.
وعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا هم الذين تركوا الشرك والإلحاد ، وبآمنوا الثانية الايمان الحقيقي ، لا الدوام والثبات على الايمان كما قال المفسرون ، وبرسوله محمد (ص) ، وبالكتاب الذي نزل على رسوله القرآن ، وبالكتاب الذي أنزل من قبل كل كتاب سماوي نزل قبل بعثة الرسول الأعظم (ص).