أيضا : «أمرني ربي بالمداراة ، كما أمرني بالفرائض». وأجمع الفقهاء على ان الكذب واجب إذا توقف عليه حفظ النفس البريئة ، وخلاصها من الهلاك ، وان الصدق حرام في النميمة والغيبة ، فالنمام صادق ، والمغتاب صادق ، ولكنهما مذمومان عند الله والناس (١).
وبعد ، فان الرياء المحرم هو ان يتظاهر المرء أمام الناس بما ليس فيه ، فيريهم الخير والصلاح من نفسه ، ليحظى عندهم بمكان الصالحين الخيرين ، وهو من الأشرار المفسدين.
(مذبذبين). يتظاهرون تارة مع المسلمين ، وتارة مع الكافرين ، وهم في الواقع (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ). بل الى منافعهم ومطامعهم .. يقبلون كل يد تقبض على منفعتهم ، أو على شيء منها ، قذرة كانت اليد ، أو طاهرة.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً). أي ان الله سبحانه قد تخلى عنهم ، وأوكلهم الى أنفسهم لعنادهم وتمردهم على الحق ، ومن كان هذا شأنه فلن يؤوب الى رشد. ولا بد من التنبيه الى ان حكمة الله تعالى تستدعي ان لا يتخلى عن عبده ، تماما كما لا تتخلى الوالدة عن وليدها ، الا إذا كان العبد هو السبب الموجب لتخلي الله عنه لولوجه في العصيان والتمرد ، كما تتخلى الأم عن ابنها لغلوه في العقوق. وتقدم هذا النص القرآني بالحرف في الآية ٨٨ من هذه السورة ، وتكلمنا عنها هناك مفصلا ، فقرة «الإضلال من الله سلبي لا ايجابي» ، كما بسطنا القول في أقسام الهدى والضلال عند تفسير الآية ٢٦ من سورة البقرة ، المجلد الأول ص ٧٠.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
__________________
(١) نصوص الكتاب والسنة تقوم على أساس العمل بما فيه مصلحة ، وترك ما فيه مفسدة ، فحيث تكون المصلحة يكون الأمر ، وحيث تكون المفسدة يكون النهي ، ومن هنا جاز الكذب مع المصلحة ، وحرم الصدق مع المفسدة المترتبة على الغيبة والنميمة.