والا لم يكن خالقا ، وانما يحاسب ويعاقب جزاء وفاقا .. ولا غنى لمخلوق عنه في وجوده وبقائه ، وجميع حركاته وسكناته ، وإلا لم يكن مخلوقا .. والآن تعال معي ـ أيها القارئ ـ لنستمع بخشوع وإجلال الى هذه النفحات من الإمام زين العابدين :
«اللهم اني امرؤ حقير ، وخطري يسير ، وليس عذابي مما يزيد في ملكك مثقال ذرة ، ولو ان عذابي مما يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه ، وأحببت أن يكون ذلك لك ، ولكن سلطانك أعظم ، وملكك أدوم من أن تزيده طاعة المطيعين ، أو تنقصه معصية المذنبين».
ليست هذه المناجاة رموزا تومئ الى الوجد والشوق لجمال القدس وجلاله ، كما يفعل الصوفية ، ولا مجرد صلاة وخوف من عذاب الله ، وان دل عليه ظاهر الكلام ، وانما هي توجيه لكل قوي يريد البطش بالضعفاء الذين لا حول لهم معه ولا طول .. وان الأولى والأليق بقدرته مع ضعفهم هو العفو والصفح ، وليس التعذيب والتنكيل .. ان القوة لا تكون فضيلة وكمالا الا مع الإعطاء والتفضل. ان الحاجة أو الشراسة هي الدافع والباعث على التنكيل بمن لا يجد مهربا من القوي الا اليه .. والقوي الكامل غني عن المستضعفين ، منزه عما يشين.
وبعد ، فان العفو خير ، ونحن بحاجة اليه ، والله قادر عليه ، ولا أحد أولى به منه ، فعفوه ـ اذن ـ كائن لا محالة .. نقول هذا ، ونحن من أخشى عباد الله لله.
(ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً). يعلم من أطاع وشكر ، ويوفيه أجور المطيعين الشاكرين .. آمنا بالله وحده ، مبتهلين اليه سبحانه ان يوفقنا لشكره وطاعته.