لئلا يدع مجالا لاعتذارات وتعللات : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) ـ أي من قبل البيان ـ (لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) ـ ١٣٤ طه». وتكلمنا عن قاعدة قبح العقاب بلا بيان في ج ١ ص ٢٤٧.
(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً). الشهادة تكون بالأقوال ، وتكون بالأفعال ، كشهادة الكون بوجود المكون وقدرته ، وشهادة البذل بكرم الباذل وجوده ، وشهادة الاقدام بشجاعة المقدم وبأسه ، وهذه الشهادة أدل وأقوى من شهادة الأقوال التي يتطرق اليها الشك والريب.
ومن الشهادة بالأفعال شهادة الله لمحمد (ص) ، حيث زوده بالدلائل والمعجزات على صدقه ، ومنها القرآن الكريم الذي أنزله الله عليه بعلمه ، ومعنى (بعلمه) ان القرآن من علم الله ، لا من علم المخلوقين الذي هو عرضة للأخطاء والأهواء ، أما شهادة الملائكة فإنها تبع لشهادة الله التي تغني عن كل شهادة ، ولذا قال تعالى : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً).
وبعد ، فما من أحد الا ويود لو صدّقه الناس فيما يقول ، ولكن العاقل لا يهتم إطلاقا ان كذّب وردّت عليه أقواله ، ما دام على يقين من صدقه .. وهذا ما تهدف اليه الآية ، فكأن الله سبحانه يقول لنبيه : لا يهمك تكذيب من كذّب بنبوتك ، واعراض من أعرض عن دعوتك ، ما دمت عندي صادقا مصدقا .. فهذه الآية تهدف الى ما تهدف اليه الآية ٨ من فاطر : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨)