والنصارى رفعوه الى الالوهية ، وقال المسلمون فيه ما قاله القرآن ، وهو قول وسط بين القولين ، وكان الخطاب في الآيات السابقة موجها الى اليهود ، وهو في هذه الآيات موجه الى النصارى بدليل قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) وهذا هو الغلو في الدين ، والقول على الله بالباطل ، لأنه تعالى منزه عن الشريك والشبيه ، والحلول والاتحاد ، والولد والصاحبة.
(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ). هذه هي حقيقة عيسى ، وبها قال المسلمون .. رسول الله ، وكفى تماما كإبراهيم وموسى ومحمد وسائر الأنبياء .. ووقفنا مع المبشرين بالمسيحية في مكان سابق من هذا التفسير ، ونقف معهم الآن عند تفسير هذه الآية ، لأن لهم قصة معها ، ستعرفها مما يلي ، ونبدأ الحديث بالسؤال ، كعادتنا في ارادة الإيضاح ، ليمضي القارئ معنا الى النهاية من غير سأم أو ملل.
سؤال : كيف يكون عيسى كغيره من الأنبياء ، وقد ولدوا جميعا من آبائهم ، وولد هو من غير أب خارقا لما هو مألوف ومعروف؟.
وتولى سبحانه بنفسه الاجابة عن هذا السؤال ، وأوجزه بهذا الإيجاز الرائع : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ). ومعناه بضرب من الشرح والتفصيل ان قول النصارى : ولد عيسى من غير أب قول صحيح ، وصحيح أيضا قولهم : ان هذا يخالف المألوف .. ولكن الخطأ الجسيم في قولهم : ان هذه المخالفة دليل على ربوبية عيسى .. ووجه الخطأ انه لا ملازمة بين عدم الابوة ، وبين وجود الربوبية ، وإلا فانه يلزم ان يكون آدم ربا ، بل هو أولى بالربوبية من عيسى ـ على منطقهم ـ لأنه خلق من غير أب وأم ، وعيسى تولد من امه مريم .. هذا ، الى ان خرق العادات ليس بعزيز ، فقد كانت النار بردا وسلاما على ابراهيم ، فينبغي أن يكون ربا ، لأن ما حصل مخالف للمألوف.
ثم هل يكثر على من خلق الكون العجيب من لا شيء ، خلقه بكلمة واحدة ، وهي (كن فيكون) ، هل يكثر عليه أن يخلق بهذه الكلمة رجلا من غير