والذي نرجحه ان التطهير شهادة بنزاهة مريم ، وبراءتها من كل شبهة حول ولادتها.
وتجمل الإشارة إلى أن مريم ليست نبية للإجماع على انه لم تنبّأ امرأة ، قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) ـ ١٠٩ يوسف».
أما كلام الملائكة معها فلا يستدعي أن تكون نبية ، فلقد أوحى الله الى أم موسى ، كما في الآية ٧ من سورة القصص ، ولم يدّع أحد لها النبوة ، وإذا انقطع الوحي بعد محمد (ص) عن الأنبياء ، وغير الأنبياء فقد كان من قبله ينزل على الأنبياء وغير الأنبياء ، والدليل هذه الآية ، وآية : أوحينا الى أم موسى. أما قوله تعالى : (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) فنتعرض له قريبا بفقرة مستقلة بعنوان : «من هي سيدة نساء العالمين».
سبق القول : ان وفدا من نصارى نجران جاءوا الى المدينة يحاجون رسول الله في نبوته ، ويدعون ألوهية عيسى ، فتلا عليهم الرسول (ص) من أنباء الغيب طرفا من قصة امرأة عمران وزكريا ومريم ، ليثبت لهم انه لا ينطق إلا بوحي من الله ، ثم تلا هذه الآية : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ).
وتلاوة النبي هذه الآية لوفد نجران المسيحي الذي جاء يحاجه ويجادله دليل قاطع على عظمة الإسلام ، وصدق نبيّه الكريم .. ان اليهود لم يتورعوا أن يلصقوا الأكاذيب والافتراءات بمريم ، ويثيروا الشبهات والتهم حول ولادتها .. فكذبهم الله ، وسجل في كتابه الذي يتلوه الملأ أبد الدهر ، سجل فيه نزاهتها وبراءتها ، وقطع الطريق على كل متقول ومزوّر. ولو لم يكن محمد صادقا في رسالته ، واثقا بدعوته لأخفى ذلك عن النصارى الذين لاقى منهم العنت والتكذيب.
لقد أسدى الإسلام بهذه الآية أعظم الأيادي الى النصارى ، ولولاها لسمعوا الكثير من بعض المسلمين عند التخاصم ، كما سمعوا من اليهود في حق مريم الطاهرة .. ولكن المسلم يعلم ان نزاهة السيدة مريم من صلب عقيدته ، وان التهجم