(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ). المراد بالكتاب القرآن ، وهو مصدق للكتب المنزلة على الأنبياء السابقين ، وبديهة ان تصديق ما انزل على الأنبياء لا يستلزم تصديق الكتب التي ينسبها اليهم بعض الطوائف .. وها نحن المسلمين نؤمن بقول رسول الله (ص) ، ومع ذلك لا نؤمن بكل ما في كتب الحديث المروية عنه ، أما من يؤمن بالكتب المنزلة على الأنبياء السابقين فعليه أن يؤمن حتما بالقرآن ، وإلا ناقض نفسه بنفسه ، لأن القرآن مصدق لتلك الكتب ، فتكذيبه تكذيب لها بالذات.
(وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ). ووصف التوراة والإنجيل بالهدى يستلزم انهما قد انزلا بالحق ، كما ان وصف القرآن بأنه نزل بالحق يستلزم أن يكون هدى للناس .. إذن ، فكل واحد من الكتب الثلاثة حق وهدى.
والمراد بالهدى هنا بيان الله سبحانه للحلال والحرام على لسان أنبيائه ، وهذا البيان يفيد العلم بأحكام الله ، أما العمل بها فيحتاج إلى هدى من نوع آخر زائدا على البيان ، ولا أجد لفظا أعبّر عنه سوى التوفيق ، وهو المشار اليه بقوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ـ القصص ٥٦».
يطلق القرآن لفظ التوراة على ما أنزله الله تعالى من الوحي على موسى (ع) ، ويطلق لفظ الإنجيل على الوحي الذي أنزله على عيسى (ع). ولكن القرآن قد بيّن وسجّل ان التوراة والإنجيل اللذين يعترف بهما هما غير التوراة والإنجيل الموجودين الآن عند اليهود والنصارى ، قال تعالى في الآية ٤٥ من سورة النساء :(مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ). وقال في الآية ١٤ من سورة المائدة : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ). وفي الآية ١٥ من السورة المذكورة : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ).