تصدينا للبحث عن شيء من ذلك فلا ننتهي إلا إلى الشبهات والظلمات ، فلم يبق لدينا إلا التسليم لحكمة الله وأمره الذي صرح به السيد المسيح (ع) مكررا أنه قد فعله بإذن الله ، ليسد الباب على كل مقتول ومتوهم الربوبية لعيسى أو الشعوذة ، أو غيرها .. وسبقت الإشارة عند تفسير الآية ٢٥٥ من سورة البقرة إلى أن نظام الكائنات يجريه الله سبحانه على السنن الطبيعية إلا إذا اقتصت حكمته أن يتدخل على عكسها بإرادته التكوينية التي هي عبارة عن كلمة «كن» .. وعندها فلا يبقى مجال لأية واسطة وسنة.
أما إخبار عيسى بالغيب فقد كان بواسطة الوحي من الله تعالى ، ولا يختص وحده بذلك فقد أخبر جميع الأنبياء بالغيب ، فنوح صنع السفينة قبل أن يقع الطوفان ، وشعيب أخبر عن مصير قومه في هذه الحياة ، وكذلك غيره من الأنبياء ، ومحمد (ص) أخبر عن انتصار الروم على الفرس ، وانتصار قومه عليهما معا .. والإمام علي أخبر عن ثورة الزنج وغيرها ، حتى قال له قائل : لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب. فقال له الإمام : ليس هو بعلم غيب ، وانما هو تعلّم من ذي علم. يشير إلى أن النبي (ص) أخبره به ، والنبي أخذه من الوحي.
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤))