(قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ). المراد بالحواريين خاصة الرجل ، مأخوذ من الحور ، وهو شدة النقاء والبياض. وقولهم : (آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) دليل على ان دين الله واحد منذ وجد الى ما لا نهاية ، وهو الإسلام ، وقد جاء به جميع الأنبياء ، دون استثناء ، والاختلاف انما هو في بعض الأحكام وصور العبادة ، وعلى هذا ، فكل من آمن بالله وكتبه ورسله فهو مسلم ، وان أسمى نفسه نصرانيا أو يهوديا .. وسبق الكلام عن ذلك مفصلا عند تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) ـ الآية ١٩ من هذه السورة».
وقول الحواريين : (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) دعاء منهم لله سبحانه أن يجعلهم في زمرة المؤمنين الذين شهدوا لله بالوحدانية ، ولأنبيائه بالصدق والأمانة ، ليفوزوا بما فاز به المخلصون المرضيون ، وينالوا ما نالوه من الكرامة عند الله سبحانه.
وجاء في الكثير من التفاسير ان عدد الحواريين كان اثني عشر ، وبعض المفسرين ذكر أسماءهم ومهنهم ، ونحن نسكت عن ذلك لحديث : اسكتوا عما سكت الله عنه.
(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ). لهذه الآية نظائر كثيرة ، منها الآية ٣٠ من سورة الأنفال : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ). والآية ٥٠ من سورة النمل : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ). والآية ٢١ يونس : (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ). والآية ٩٩ الاعراف : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ).
والمراد بمكر الكافرين والمنافقين الحيلة والخداع والغدر وتبييت الشر ، أما مكر الله تعالى فالمراد به إبطال مكر الماكرين وتدبيرهم ، كما نطقت الآية ٤٣ من سورة فاطر : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) .. وفي القرآن صفات كثيرة أطلقت عليه سبحانه ، وظاهرها يوهم عدم جواز نسبتها اليه تعالى ، مثل الشاكر والمؤمن والتواب والمتكبر ، ومع التأمل والإمعان يجدها في محلها ، فان