رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً). وهذه الآية ظاهرة في انه حي ، بالاضافة الى أحاديث نبوية في معناها. ولكن الآية ١١٧ من سورة المائدة تقول : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) .. وقريب منها الآية التي نحن بصددها ، وهي : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ). فإن المتبادر من الوفاة هو الموت ، وان المعنى الظاهر أني مميتك وجاعلك بعد الموت في مكان رفيع ، كما قال في إدريس : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) ـ ٥٦ مريم». وكما قال في الشهداء : (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ـ ١٦٨ آل عمران.
والذين قالوا : ان عيسى حي بجسمه وروحه أولوا (توفيتني ، ومتوفيك) بوجوه أرجحها ـ نسبيا ـ ان القصد هو التشبيه بالوفاة ، لا الوفاة الحقيقية ، لأنه إذا رفع إلى السماء فقد انقطعت علاقته بالأرض ، وصار كالميت.
أما الذين قالوا : انه مات حقيقة فقد أولوا (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) بأن اليهود لم يقتلوا مبادئ عيسى وتعاليمه بقتله وصلبه .. ولكن خيل اليهم انهم قد قضوا على تعاليمه بذلك ، مع انها ما زالت قائمة ، وستبقى الى يوم يبعثون.
ونحن نميل الى القول الأول ، وان عيسى حي رفعه الله اليه بعد أن توفاه بنحو من الأنحاء ـ غير الموت ـ نميل الى هذا بالنظر الى ظاهر الآية ، والى ما روي عن الرسول الأعظم (ص) من طريق السنة والشيعة انه ما زال حيا .. ومع هذا فلا نرى أية فائدة من التحقيق والتدقيق في هذا الموضوع ، لأن الايمان بكيفية وفاته ، ورفعه ليس من أصول الدين ، ولا المذهب ، ولا من فروعه في شيء وانما هو موضوع من الموضوعات الخارجية لا تتصل بحياتنا من قريب أو بعيد .. والله سبحانه لا يسأل الناس غدا ، ويقول لهم : بيّنوا كيف توفيت عيسى؟ وكيف رفعته؟ .. ان ما يجب علينا الايمان به هو ان عيسى نبي مرسل من الله ، وانه خلق بكلمة من الله ، وان أمه قديسة .. هذا ، الى ان البحث في هذا الموضوع لا ينتهي بالباحث الى الجزم واليقين بكيفية وفاته ، ولا بكيفية رفعه .. فالأولى إيكال ذلك إلى الله سبحانه (١).
__________________
(١) انظر ما قلنا في تفسير الآية ١٥٨ من سورة النساء.