ثم جعل فيه الروح ، وعليه يكون المعنى : أيها الطين كن إنسانا من لحم ودم ، وعاطفة وادراك.
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ). أي ان هذا الذي أنزلناه عليك ، وأخبرناك به عن عيسى هو الحق من ربك (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ).
وتسأل : ان النبي محال أن يشك فيما أخبر الله به .. لأن الشك يتنافى مع الايمان فضلا عن العصمة. فما هو المبرر لهذا النهي؟.
وأجاب المفسرون بجوابين : الأول ان ظاهر الخطاب موجه الى النبي ، والمقصود في الواقع غيره. الجواب الثاني : ان المراد استمرار النبي على اليقين.
وفي كلا الوجهين نظر ، لأنهما مبنيان على ان الله تعالى ليس له أن ينهى أنبياءه عن المعصية .. والصحيح ان لله أن ينهى الأنبياء عن المعصية .. أولا لأنه أمر من الأعلى الى من هو دونه في الرتبة والعلو. ثانيا : ان العصمة ليست طبيعة وغريزة في الأنبياء بحيث تستحيل المعصية عليهم بحسب الذات والإمكان ، والا لم يكن لهم من فضل ، وانما يستحيل صدور المعصية منهم بحسب الواقع ، لا بحسب الإمكان ، فيصح ، والحال هذه ، أن يوجه النهي اليهم بهذا الاعتبار ، ولكن من الله لا من غيره ، إذ لا أحد فوق الأنبياء الا الله جلّت عظمته.
وعلى هذا الوجه تحمل النواهي الكثيرة الواردة في القرآن الكريم في هذا الباب ، مثل قوله تعالى لحبيبه محمد (ص) : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) .. ثم ما يدرينا ان الأنبياء كانوا يحبون هذه النواهي من الله سبحانه ، بل ويطلبونها ، كما يطلب المؤمن الصالح من الأعلم الأكمل ان يعظه ، ويذكّره بالله.
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ