لقد أقدم محمد (ص) ، ومعه أهل بيته وأعز الناس على قلبه ، أقدم على المباهلة ، وهو يضمن النصر سلفا ، حتى كأنه بيده .. ولا شيء أوضح وأصدق في الدلالة على نبوته من هذا الاقدام .. انه أوضح من دلالة نور الشمس على وجود الشمس .. وما عرفت هذه المعجزة لواحد من الأنبياء ، وانما كانوا يدعون على الكافرين ، فيستجيب الله دعوتهم.
وتسأل : ان النبي دعا بعض الكفار الى الإيمان ، فقالوا : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) ـ ٣٢ الأنفال». ومع هذا لم يقع العذاب بهم؟
الجواب : ان الكلام فيما نحن فيه يدور حول المباهلة ، وهي لا تتحقق إلا في معرض الاحتجاج والادعاء ، وأيضا لا تجوز إلا بإذن من الله ، أو رسوله خشية ان لا يظهر صدق الصادق .. وقول الكافرين : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) ليس من المباهلة في شيء .. ولذا أخر الله عقابهم الى يوم يبعثون.
ومما قاله الرازي في تفسير آية المباهلة : «روي أن محمد (ص) لما خرج في المرط الأسود ، فجاء الحسن رضي الله عنه فأدخله ، ثم جاء الحسين رضي الله عنه فأدخله ، ثم فاطمة ، ثم علي رضي الله عنهما ، ثم قال النبي (ص) : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) واعلم ان هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث ـ ثم قال الرازي ـ : ان هذه الآية دالة على ان الحسن والحسين عليهما السلام كانا ابني رسول الله (ص) ، وعد أن يدعو أبناءه فدعا الحسن والحسين ، فوجب أن يكونا ابنيه ، ومما يؤكد هذا قوله تعالى في سورة الانعام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) إلى قوله : (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى) ومعلوم ان عيسى (ع) انما انتسب الى ابراهيم (ع) بالأم لا بالأب».
وقد بحثت هذا الموضوع بحثا مطولا في كتاب «فضائل الإمام علي» وعقدت له فصلا مستقلا بعنوان «أبناء رسول الله».