لأن بينه وبين عيسى ألفي سنة ، ولم يلتق بالديانة المسيحية ، لأنها محرفة عما جاء به عيسى (ع) .. وإذا لم يكن ابراهيم مسلما بالمعنى المعروف فإنه في واقعه وإيمانه يلتقي مع الإسلام ، لأنه يؤمن بالله المنزه عن الشريك والشبيه ، وهذا الايمان هو الأصل الأساسي لدين الإسلام ، وبهذا يتبين لنا الجواب عن سؤال من يسأل : ان القرآن أنزل بعد ابراهيم فكيف يكون مسلما؟ وسبق البحث مفصلا في أن جميع الأنبياء كانوا مسلمين عند تفسير الآية ١٩ من هذه السورة.
والحنيف هو المائل عن الأديان الباطلة الى دين الحق ، أما قوله تعالى : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فان فيه تعريضا بالنصارى القائلين : المسيح ابن الله ، وباليهود القائلين : عزير ابن الله ، وبالعرب الذين كانوا يعبدون الأصنام .. وكان ابراهيم موضع إجلال هذه الفرق الثلاث.
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ). أي ان أحق الناس بالانتساب الى دين ابراهيم الذي يجله الجميع هم الذين استجابوا لدعوته من أمته ، أو يلتقون معه ويلتقي معهم في العقيدة والإيمان ، كمحمد ومن معه. قال الإمام علي (ع) : ان أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به ، ثم تلا الآية ، وقال : ان ولي محمد من أطاع الله ، وان بعدت لحمته ، وان عدو محمد من عصى الله وان قربت قرابته. (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) به ، وحده لا شريك له ، ولا يلجئون الى غيره في كشف الضر ، وطلب النفع.
ولا شيء أدل على عظمة الإمام وإخلاصه لله وللحق وتجرده عن الغايات والأهداف الدنيوية من قوله هذا ، وعدم تشبثه بالقرابة ، مع العلم بأنه أقرب الناس لحمة للرسول (ص) ، وما ذاك الا لأنه يستمد عظمته من نفسه وأعماله لا من الأرومات والقرابات ، ولا من التمويه والتغطيات.
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ