وفي الحديث ان رسول الله (ص) ما خطب خطبة الا وقال فيها : «لا ايمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له».
وتدلنا هذه الآية وهذا الحديث ، وغيرهما كثير من الآيات والأحاديث ، تدلنا ان الإسلام يرتبط بالأخلاق ارتباطا وثيقا ، ومن ثم أوجب الوفاء بكل التزام وتعامل يقع مع الغير ، واعتبره تعاملا مع الله والتزاما له بالذات ، حتى ولو كان الطرف الثاني ملحدا ، على شريطة ان لا يتنافى الالتزام مع المبادئ الأخلاقية ، والا وقع باطلا.
وكذلك الحال بالنسبة الى القضاء وفصل الخصومات ، حيث أوجب الإسلام على القاضي أن يصغي الى صوت الضمير وحجة الأخلاق قبل أن يستمع الى أقوال المتخاصمين .. ان النظرية الأخلاقية هي الركيزة الأولى للشريعة الإسلامية بجميع قواعدها وأحكامها ، دون استثناء ، ومن أجل هذا هدد الله الذين ينكثون بالعهد ، ويغدرون بالأمانة بما لم يهدد به أحدا من مرتكبي الكبائر والجرائم ، وذلك حيث يقول عز من قائل : (أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). أما السر لهذا الحرص الشديد على الوفاء ، والتهديد على مخالفته فهو الحفاظ على المصالح ، وتبادل الثقة بين الناس ، وصيانة الحقوق التي هي أساس الأمن والنظام.
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨))