المعنى :
(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ). ليس من شك ان الذي يختاره الله للكتاب والحكم والنبوة يمتنع عليه أن يدعو الناس لعبادته ، لأن هذا كفر ، والله لا يختار الكافرين ، قال تعالى : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ).
والآية الكريمة رد على من يلصق بالأنبياء والأولياء صفة من صفات الربوبية ، كما انها ـ أي الآية ـ شهادة منه تعالى بتنزيه الأنبياء ، وتبرئتهم من الرضا بالغلو فيهم .. ان النبي يوقن بأنه عبد من عباد الله ، وان الله وحده هو المعبود ، فكيف يعقل أن يدعو الناس لعبادته ، أو عبادة الملائكة .. وانما يأمرهم أن يكونوا ربانيين ، أي عالمين عاملين معلمين.
وفي الحديث ان رجلا قال لرسول الله (ص) : أنسجد لك؟. فقال : لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله. وقال له آخر : أتريد أن نعبدك ، ونتخذك إلها؟. فقال : معاذ الله!. ما بذلك أمرت ، ولا اليه دعوت .. أما حكاية إحراق الإمام علي في النار من نسب اليه الربوبية فأشهر من أن تذكر .. وكل من دعا الناس الى عبادته فهو كافر ، وكل من دعاهم الى تعظيمه بقصد التعاظم والاستعلاء فهو فاسق.
وتسأل : لقد تضمنت الآية ثلاثة ألفاظ : الكتاب والحكم والنبوة ، وكل لفظ منها واضح المعنى لا يحتاج الى تفسير لو كان بمفرده ، لكنها إذا اجتمعت في كلام واحد ، وعطف بعضها على بعض فإنها تحتاج الى تفسير ، لأن معانيها متداخلة ، بخاصة إيتاء الكتاب والنبوة ، مع العلم بأن العطف يقتضي التغاير .. فما وجه الفرق بين هذه الكلمات الثلاث الذي سوغ عطف بعضها على بعض؟.
الجواب : المراد بالكتاب الكتاب المنزل من الله ، كالتوراة والزبور والإنجيل والقرآن ، والمراد بالحكم العلم والسنة النبوية ، قال تعالى عن يحيى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) ـ ١١ مريم» ، أما النبوة فمعناها معروف ، وهي وان كانت تستلزم معرفة الكتاب والسنة ، ولكن معرفتهما لا تستلزم النبوة ، فكل نبي عالم بالكتاب