وبتعبير أوضح ان عداوة اليهود والمشركين للمسلمين كانت بدافع دنيوي ، لا بدافع ديني ، ولكن تستر اليهود باسم الدين رياء ونفاقا ، تماما كما يفعل اليوم أصحاب الكسب غير المشروع .. هذا ، إلى أن كلا من اليهود والمشركين يشتركون في العصبية الجنسية ، والحمية القومية .. ولكن مشركي العرب كانوا على جاهليتهم أرق قلبا ، وأكرم يدا ، وأكثر حرية في الفكر ، ومن هنا آمن أكثرهم برسول الله (ص) ، وما آمن به من اليهود إلا قليل.
(وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى). يتخذ البعض من هذه الآية وما بعدها مادة للتمويه بأن القرآن الكريم يرجح أحد المعسكرين المتطاحنين ـ في أيامنا هذه ـ على المعسكر الآخر .. وهذا ما يدعونا إلى أن نشرح هذه الآيات الأربع ، ونوضحها بما لا يترك مجالا لاستغلال الانتهازيين والمنحرفين.
ان من تأمل هذه الآيات لا يعتريه أدنى ريب بأنها متكاملة يتمم بعضها بعضا ، وانه لا يصح بحال أن تفسر واحدة منها مستقلة عن أخواتها ، وانها صريحة واضحة في ان الله سبحانه لم يفاضل بين النصارى على وجه العموم ، وبين غيرهم من الطوائف في البعد أو القرب من المسلمين ، وإنما أراد سبحانه فئة خاصة من النصارى بدليل انه تعالى لم يقف عند القول : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) بل عقبه بقوله :
(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ). ومعنى هذا ان من النصارى من عرفوا الإسلام ، ودخلوا فيه طوعا ، وعن قناعة وإيمان ، والتاريخ يثبت ذلك ، كما شهد التاريخ أيضا بالأحقاد الصليبية على الإسلام والمسلمين ، وبإبادتهم من الأندلس ، وبفظائع الايطاليين في طرابلس الغرب ، والفرنسيين في الجزائر وتونس والمغرب وسورية ، وبفظائع الانكليز في مصر والعراق والسودان وغيرها .. واليوم تتحالف الولايات المتحدة مع اليهود على إبادة شعب فلسطين ، وتسلح هؤلاء